قصة قصيرة
وجبة عشاء ساخنة
علي مائدة الافطار ، زوجته المصون – الله يسترها – كلمة منها ، كلمة منه ، زودتها – حبتين – ثار الرجل بداخله فتمطى ورفع يده ، ولم تصدق عيناها وهي ترى أصابعه تهوى علي صدغيها ، يمين شمال ، شمال يمين .
زوجته بنت الاصول – الله يكرم اصلها – حلفت برأس جدها ماهي قاعده له في البيت !
ام عياله ، بنت الناس الطيبين لمت هدومها والعيلين وخرجت .
صفع الباب خلفها وزفر براحه ولسان حاله يقول :
- في ستين داهية !!
جلس وحيدا مع صمته لحظة ثم خرج لعمله ليعود في منتصف الليل الي شقته مهدودا متهالكا .
بدل ملابسه ودخل المطبخ وخرج ليدخل الحمام .
شعر بأن جفونه يشد بعضها بعضاً وبرغبة عارمه في التثاؤب ، حاول مقاومة الرغبة ففشل ، وفعلها!
أحس بصداع خفيف يطرق جبهته ، رفع يده اليسرى وفرك مابين حاجبيه ثم طاوعته يداه فرفعهما وبشده ضغط علي جفنيه المقفولين براحتيه .
تشابكت دوائر حمراء وسوداء أمام الجفنين المغمضين .
رفع راحتيه لحظة انقطاع التيار الكهربائي فجأة ، ارتبك علي غير عادته ودق صدره بعنف ، تشاغل باشعال سيجاره فلم يكن قد قضى حاجته بعد .
زحف صاروخ هواء بارد من تحت الباب ليطفأ عود الثقاب الوحيد فلم يتمكن من بغيته زفر في عدم رضا ، اصطدمت اصابعه بصنبور المياة ، فتحه بعصبية ، اندفاع المياه الشديد من ماسورة " الشطاف " اربكه ، اقتلعه من مكانه فهب واقفاً انزلقت قدماه علي سطح البلاط الناعم ، حاول النهوض ، شعر بقوة هائلة تشدة اليها ودون أن يدري التصق بالبلاط ، للحظة شعر بلسعة في لحمه ، واستسلم لخدر لذيذ بدأ يدب في أعضائه للحظة آخرى ، وانتبه على عودة التيار الكهربائي فاعتدل وقام !
لحظة دخوله الفراش تملكته رغبة شديدة في العودة للحمام ، فرك عينيه وتثاءب ، تذكر انه لم يغلق صنبور المياة فرجع اليه ، كانت ماسورة " الشطاف " لا تزال ترسل ماءها في هدوء داخل قاعدة " التواليت " احكم إغلاقها وهم بالخروج ، احس بقشعريرة تسري في جسده وشعر " بطقطقة " جلد راسه وبأن شعر رأسه كله يقف فخرج سريعا ً !
لحظة إمساك الحلم إنتبه علي صوت يأتي من ناحية الحمام .
لايدري إن كان مواء قطة أم بكاء جرو صغير أم "وأوأة " طفل رضيع .
لعل هذة الاصوات جميعا دقت في اذنيه في نفس اللحظة !
كان الضوء خافتاً لما نظر الي السقف واندهش .
كان المصباح الصغير يتأرجح في الهواء ناثراً ظلاله الداكنه التي كانت تروح وتجيء علي رقعة السقف البيضاء .
نهض وأضاء النور الكبير ، تلاشى الصوت واستقر المصباح الصغير متدلياً في مكانه .
تمتم بآية الكرسي والمعوذتين وقرأالفاتحة لروح أبيه ، هدأت نفسه قليلاً ، دخل فراشه واستلقى علي ظهره وأخذ شهيقاً وزفر براحة واسترخى.
لحظة إلتقاء اليقظة بالحلم رآها تزيح طرف الغطاء عن جسده وتتمدد بجانبه ، جسد أنثوي واضح المعالم بوجه تاهت ملامحه !
فتح عينيه وقد تبدد الحلم ليجد الغطاء وقد انزاح عن جسده .
لف جسده بالغطاء ودس نفسه فيه ، ترامى لاذنيه مواء قطة وبكاء الجرو الصغير وشعر باناس ساخنة تلهب وجهه ، حاول رفع الغطاء السميك فشعر كأن يديه مشلولتان واقتربت الانفاس حارة من وجهه وشعر بنفسه يضيق ، حاول النهوض ، فشل كأن الشلل قد تملكه تماماً ، فزع لهذا الخاطر ، حاول الصياح فلم يخرج صوته .
ورآها بعينيه المفتوحتين ، وشعر بجلدها الساخن يلامس جلده وارتعشت اواصاله ، لما ضحكت تبخرت سريعا ً فعاد اليه الهدوء !
لما بحث عن مفتاح مصباح الغرفة سمع بأذنيه :
- لا تتعب نفسك التيار مقطوع !
تذكر الامس وتماسك كفارس قديم ووجد المفتاح ، كان التيار مقطوعاً فعلا ً ، استغرب وخرج الي الشرفة .
كان الشارع يغط في نومه وظلامه وقد هدأ تمامًا الا من اصوات كلاب الشوارع المجاورة
رجع لفراشه وتمدد وخيالات الامس تداعب ذاكرته ، اهتز فراشه فجأة واحس بشيء ساخن يلامس جلده ففزع وامتدت يده الى " الكومودينو" تبحث عن كبريت، عثر عليه حاول اشعال الثقاب ، جاءه الصوت واضحاً يصافح اذنيه :
- لا تشعل الكبريت ولا تخش شيئاً !
إنعقد لسانه وسقط الكبريت من بين يديه وجلس فوق الفراش مبهوتاً يحيطه الظلام والصمت حتى آذان الفجر !
****************
لثلاث ليال كاملات لم يدخل الفراش ولم يغمض له جفن ، في الليلة الرابعة لما هدّه السهر والنوم المتقطع في ارجاء الشقة دخل فراشه ودس نفسه فيه .
كانت نجاه ترسل صوتها الدافيء من الراديو :
- سامحته وسألت عن أخباره ......
وضاع صوتها ، انكمش بجلده لما اصطدمت باذنيه ضحكتها وتملكه الرعب .
شعر بيد دافئة تلامسه وتمسح جسده كله ، شعر بخدر لذيذ في اطرافه سرعان ما انتشر بجسده كله وانتظمت انفاسه .
رآها ، جسد انثوي واضح المعالم ووجه يعرف ملامحه ، وعانقته ، وأحس ببروز صدرها يدخل في لحمه ، وأحس بخفه ، لما عانقها انسلخت منه وقالت :
- تصبح علي خير !
انتبه ليجد النور مضاء ووشيش المذياع يدغدغ صمت الغرفة ، اغلقهما ونام .
لما عاد الي الشقة في منتصف الليل كان النور مضاء .
فتح باب الشقة بريبه !
كانت زوجته في منتصف الصالة واقفة خجلى ، جرى ناحيتها ، ضمها الي صدره ، عانقته ،راح يسألها عن أخبارها ، بكت علي كتفيه ، انتبه الي طفلته في ركن الصالة ترقبهما في صمت ، جري اليها ، رفعها في الهواء واستقبلها بقبلة ، خربشت وجهه بيديها الصغيرتين وقالت :
- انا جعت قوي يابابا !
- حبة عين بابا ستي أنا !!
انزلها برفق بينما كانت زوجته – بنت الاصول – تتجه الي مائدة العشاء لترفع الغطاء عن الاطباق الباردة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق