قصة قصيرة
لوحة سرياليه
دقات متسارعة وطرقات شديدةعلي باب الشقة كاد ينخلع لها قلبي من صدري ، فتحت الباب ولسان حالي يقول:
استر يارب !!
للوهله الأولي لم يتضح هذا الكائن الواقف أمامي وهو يحمل كمية لا تحصي ولا تعد من الشنط البلاستيكية السوداء في كلتا يديه وشنط أخرى يعلقها علي كتفيه ،غير شنطة كبيرة تشبه فيما تشبه أكياس - الزبالة – غطت كل رأسه ، وغاصت داخلها أذناه تماما ، وبرزت منها ما يشبه البطاطس والخيار!!. غير تلك التي كانت أمامه...وأمام باب الشقة تماما ، ألجمتني المفاجأة فوقفت مبهوتا للحظة وهممت أن أغلق الباب في وجه هذا الكائن البلاستيكي الأسود.. غير أن الصوت المبحوح والمتواري خلف حقائبه السوداء ، وصلني ، مجهدا، متعبا، متهالكا :
- ماتشيل عني ياراجل !
لم يكن أمامي بد غير الإنصياع للأمربعد أن تبينت أن الرجل البلاستيكي الأسود الواقف أمامي الآن ماهو الا زوجنتنا المصون....وبرغم ألام الفقرات القطنية التي أعاني منها..والتي تقض مضجعي طول الوقت ، والتي طالما حذرني الأطباء من حمل أي شيء ، حتي لا تتفاقم المضاعفات ، ويزيد الانزلاق الغضروفي ، وجدتني لا اراديا كشاب – في العشرين – أرفع يديّ الي أعلي ، وأرفع من فوق رأسها هذه الخيمة البلاستيكيه السوداء ، وبمجرد دخولي الصاله ، حتي ألقيتها علي الأرض وتكومت بجانبها أصرخ من الألم .
لحقتني متلهفة ، متسائلة بعد أن وضعت حمولتها :
- مالك..أمّال أعمل ايه أنا بقي اللي شايله كل ده طول الطريق ؟
لم أرد ، واكتفيت بالنظر اليها، وعيناي تستفسرعما تحويه تلك الشنط ، وكأنها قرأت مايدور بداخلي ،تركتني أتلوى من الألم و أخذت تفرغ الحقائب دون النظر اليّ ، .....بطاطس ، خيار ، لحم فراخ ، بيض، طماطم ، لوبيا ، فاصوليا بيضاء ،عدس ، بصل ، ثوم ، منظفات، كلور، كحول ، وتقريبا ، نصف المطهرات الموجودة علي أرفف الصيدلية التي دخلتها.....
امتلأت أرضية الصالة تماما عن آخرها ، غير تلك الأشياء التي وضعتها فوق – ترابيزة السفرة - وكراسيها الستة ، خفّ الألم قليلا أسفل ظهري ، اعتدلت بصعوبة ، وأسندت ظهري الى الحائط، وبصعوبة خرج صوتي حانقا محتجا :
- اية كل ده ؟
- كورونا طايحة في الناس وده خزين للأيام اللي جايه ، محدش عارف..!
عاودتني الآلام ثانية وبشدة هذه المرة ، أخرجتنا الي الشارع من الباب المفتوح ، بعجالة أشارت الي تاكسي وقالت :
- الي أقرب مستشفي يااسطي....
لمّا عدنا آخر الليل أتوكأ عليها، كان باب الشقة مفتوحاعلي مصراعيه ، وكانت المعركة حامية الوطيس بين قطط الشارع ، وبين فوضي الأشياء في ساحة الصالة ، بينما كان صفار البيض مع بياضه يرسم لوحة - سريالية وتشكيلية في ذات الوقت- مع بقايا الفراخ وبقايا قطع اللحم المتناثرة والمختلطة بحبات الفاصوليا والعدس، فوق نتف أسفنج كراسي السفرة الذي أطل برأسه ليرقب مايحدث في صمت ، وقفنا مبهوتين ، واجمين، تتفلت من بين أرجلنا وأقدامنا مياة ساخنة وقطط سوداء ، ليحتوينا اطار الصالة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق