انهيار وطن
في كل مرة نحاول أن نزيح ولو قليلا من الألم وكثيرا من الوجع والحسرة والغصة التي تقف في الحلقوم تصحبها عصرات قلب تنزف على أثر ذلك الدموع من المأقي .... تحفر على الوجوه مأسي ذاك الزمن التافه الذي لايبشر بالأمان والأمن، حتى حياتك أيها الأنسان أصبحت مرهونة بين أيادي شلة من الزعران واللصوص وكثيرا من الشبيحة وتجار الدم... وعصابات ومجموعات لا تعلم كيف اتت وجاءت الى وطن الياسمين الياسمين الذي يندب حظه العاثر جراء مايحدث.... كما حظي..حتى الابتسامة سلبت من الشفاه والسعادة دمرت بافواه البنادق ،واستبدلت بقرقعة عساكر ابو شحاطة وعوائهم ونباحهم على الناس والمارة وكأننا نعيش في كوكب آخر.
كلمات تنبع من قلب نازف تكتب الأحرف بالدم....خوف...ورعب....
وربما قد يلمسني يوما ذاك الاعتقال.....
في تلك المقهى كنت أسرق ورقتي وقلمي وأدون كل مشاهداتي اليومية واخفي تلك الأوراق بمكان مااااا ؟؟؟؟؟؟
ميسون تلك السيدة الجميلة بروحها وطيبة قلبها كيف لا وهي ابنة محافظة درعااااا كانت تقف وراء ظهري وانا أكتب دون ان أعلم بها وتتابع ماادونه على ورقة وهي تحمل بيدها فنجان من القهوة إضافة إلى وجهها الذي يحمل العديد من إشارات الاستفهام والاستغراب ، قلت لها مابك ميسون...
قالت وهي مبتسمة كلماتك مغموسة بماء الذهب!
وأكملت قائلة: تفضل قهوتك وقل لي أنت لم تذهب الى الجريدة ؟
ولماذا عدت بهذه السرعة؟
قلت :نعم عدت بسرعة لأن منطقة كفر سوسة شبه مغلقة ولم أستطيع الوصول إلى الجريدة وهذه هي القصة كاملة...
واردفت قائلاااا لو كنت أعلم ماذهبت اطلاقااااا وبالتالي شاهدت مناظر لاتسر الخاطر أشياء موجعة ومؤلمة في آن واحد إضافة إلى أوجاع الناس التي لايشعر بهذه الآلام فقط من يعيشها أنها جملة من الأوجاع جملة من التساءولات وكثيراااا من الحزن يضرب وجوه الناس،
كانت ميسون تستمع إلى كلامي وهي بشدة الذهول والاستغراب
فجأة اعتذرت مني وهي ترفع سماعة الهاتف.... الو.... ايواااا
صمتت برهة من الزمن دون أي كلمة فقط تستمع ودموعها غزت وجنتيها. ... انهت مكالمتها وهي تمسح دمعها ....قلت لها : ماذا حدث؟ ماهي القصة؟ من الذي تكلم معك؟
قالت والحزن يلفها ..... البقاء لله عمي والد زوجي توفي منذ نصف ساعة والذي كلمني هو اخي يطلب مني الحضور والسفر إلى درعاااا .
قلت لها عزائي لك والبقاء لله هل تنوين السفر إلى بلدك ؟
قالت:ياريت يااستاذ استطيع الوصول وأنت تعلم أن درعا كاملة بركان نار شاعل حتى الطريق مقطوع ولا وجود لأي وسيلة نقل تنطلق إلى درعا...
وانا لا أريد الهلاك لنفسي جميع أهلي وعائلة المرحوم زوجي يعلمون هذا الشيئ ولكن أخي اجتهاد منه عندما قال ضروري حضورك ووجودك في العزاء. ..
ثم قالت: سوف أقدم العزاء للجميع بطريقة رسائل واتصالات.
قلت لها: هياااا قومي بواجبك وانا سوف أبلغ عارف وأحمد وسعيد وأبلغ الصباياااا جميع على الأقل حضورهم ووقوفهم جنبك حاليااااا لشد ازرك وجبر خاطرك ،
قالت: شكرا استاذ أعمل ماتشاء.
أنهيت الاتصال مع الأصدقاء كما ميسون أجرت عدة اتصالات مع أهلها واقربائها وعائلة زوجها...
أخبرتهم بعدم قدومها وعدم مقدرتها ايضاحضور مراسم الدفن والعزاء. ....والاسباب معروفة...
فجأة قالت لي هيااااا استاذ قم تعال معي انا أشعر بالجوع كثيرااا لابد من أن نأكل اي شيئ
قلت لها اين نذهب والأجواء متوترة كثيرااااا ياسيدتي...
قالت ماعليك هنا بجوارنا يوجد مطعم تقريبا عشرة دقائق نكون به فهو في هذا الاتجاه ،
قلت هياااا اذا كان ذالك ....
انطلقت وميسون إلى ذاك المطعم الذي كل ادارته والعاملين به يعرفون ميسون وأغلبهم أصدقاء لها...استقبلونا بحرارة لاسيما الأستاذ احمد وشريكه محمود اللذان أمروا بفرش طاولة لنا الذي قام بتحضيرها مدير الصالة السيد عمر الذي يتمتع بروح عالية وقلب طيب والابتسامة لاتفارق ثغره حتى لو الحزن ضرب جسده ....
عمر: اهلاااا بكم استاذ شرفتونا
ميسون: تحياتي لك ياعمر اجلب لنا اي شيئ نأكل!
عمر: طلباتكم أمر ست ميسون هل في بالك شيئ ام انا اجلب لكم على ذوقي
قلت له: أنت دائم الابتسامة وكثير الكلام يبدوا انك إنسان رائع... ثم قلت له من اي مدينة انت؟
قال وهو يبتسم من حمص من حمص استاذ حي باب السباع،
قلت له: تشرفنا بك وأهلا بمدينة ابن الوليد...
أجاب قائلااااا : وانت من اي محافظة استاذ؟
قلت له سورياااا وطن لكل سوري وعربي محافظتي حمص ياعمر.... إصابته الدهشة والتعجب! ثم قال شو اليوم بكرة الأربعاء استاذ وضحك حتى سالت الدموع من عينيه ،
قاطعته عندما جوالي ضرب جرسه ..... الو. .... رشاااااا اين انت حبيبتي...
قالت: اين أنت ثم تابعت الكلام هل صحيح كما سمعت توفي والد زوج ميسون...
قلت لها نعم وانا حاليااااا موجود بجوارها منذ اكثر من خمسة ساعات... صمتت قليلاااا ثم قالت: ألم تذهب إلى الجريدة
ضحكت وقلت عندما تأتي رشاااا
أحدثك ؟ ولكن لم أذهب .... وانت أنت حاليا اين وفي اي منطقة ...
قالت: خرجت من السكن الجامعي وانتظر احمد وسعيد وتالا وعائدة ومروة معي وننتظر وصول شام....
قلت لها خيراااا ربما مازالوا في الجامعة انتظريهم وتعالوا تجدوننا في المقهى... او تصلوا معنااا
أنهيت مكالمتي وجدت كل شيي قد جهز لنا من طعام ....
ميسون: هياااااا تقدم استاذ.....
أثناء تناول الطعام وتبادل الأحاديث مع ميسون شاهدنا أشخاص من البشر يركضون في الشارع وكثرت الحركة مع أصوات سيارات الإسعاف والشرطة وأمن وعساكر غطت المنطقة دون ان نعرف السبب
أشخاص من الخوف دخلوا المطعم واشخاص آخرين يتراجعون هدوء قوي سيطر على المنطقة حتى انفاس الناس قطعت .... وفي لحظة ما خرجت زخات من الرصاص ترافق ذلك انفجار شديد هز المنطقة واصبح كل إنسان متواجد في ذاك الموقع هدفاااا
ثمنه طلقة طائشة أو يقتل عمدااااا
مشاهدات......: اشخاص يدخلون مباني يتسترون من كثافة الرصاص.... واخرون دخلوا ذاك المطعم المتواجدين نحن فيه .... طرحت عدة اسئلة عليهم ماذا يجري في الخارج؟
واين وقع التفجير ؟ ماهي المشكلة؟ ولكن لم أجد أية إجابة كل الناس لا تعلم ماذا يجري وعلامات الخوف من الموت أو الاعتقال هاجس مملموس في اليد.... الرعب كسر ظهور البشر
أحدهم دخل إلى المطعم وثيابه دماء قال له مدير المطعم من أنت ولماذا الدماء عليك وأنت تنزف...؟
اجابه: لا أعلم كنت قريب من وقوع الانفجار ربما أصبت بشظية ارجوكم اطلبوا لي الإسعاف. ...
مدير المطعم : من اين انت وما هو اسمك ...
اجاب: انا من هذه المنطقة موظف في البلدية خرجت اجلب لاولادي خبز وأكل وانا اتسوق وقع الانفجار أرجوكم اطلبوا لي الإسعاف وانقذوني وهذا رقم هاتف زوجتي كلموها ارجوكم.
تقدم صاحب المطعم وطلب سيارة إسعاف. ..التي لم تصل هذه السيارة حتى لفظ هذا الأنسان أنفاسه الأخيرة وهو يقول سوف اشكي شكوتي إلى الله .....مات الرجل وماتت الضمائر وماتت الإنسانية في قلوب البشر أنها لحظات ليست
كأي لحظة بل الموت وزهق الارواح كما يريد الطاغية.
صمت وسكون ولا حراك دب في اروقة وأركان المطعم وكأننا جميعااااا ننتظر لحظات الموت فقط عيون
تنظر في بعظها أفواه مغلقة رعشات وهلع وخوف ضرب أجسادنا جميعاااااا.....
•ميسون ماذا أصابها ماكنت اعلم فهي إنسانة محبطة وتعيسة وحزينة وقد لحق بها أيضأ هذا المصاب وتلك المشاهدات....
كلمتني بعصبية لم انتبه إلى كلامها..... كلمتني وهزت يدي وقالت بغضب هل أنت أطرش اكلمك ولا تنتبه ماذا جرى لك؟
قلت لها: اسف لم أسمعك ولكن هذا المنظر يقطع القلب والانفاس،
قالت هيااااا نخرج من هنا وبسرعة،
قالت: اين نذهب ميسون وسيارات الشرطة والعسكر تملأ الطرقات....
قالت لابد من الخروج تصرف؟
وقفت بجانب باب المطعم من الداخل انظر ربما أجد احداااا من الأشخاص اعرفه حتى يسمح لنا بالخروج.... في إحدى الزوايا تقف سيارة شرطة وبجانبها عسكري نظرت إليه وجدته مستاء كثيرااااا وعلامات الغضب والحزن تدق أنفه تقدمت منه وبعد القاء السلام قلت له لو سمحت هذه بطاقتي الصحفية انا إعلامي ومعي زميلتي في الداخل فضلاااا نريد الذهاب إلى وزارة الإعلام لأمر ضروري جدااا
قال: تفضل تفضل استاذ اهلاااا بك ثم سألني أنت من اي محافظة قلت له من حمص يا اخي قال اهلااااااا اذهبوا من هذا الاتجاه وفورااااا....
تقدمت من ميسون وقلت لها هاتي يدك هيا بنااااا
خرجنا من المطعم الذي لم نكمل طعامنا فيه والخوف يسري في الجسد مشينا ومشينا وركضناااا من شارع إلى شارع...
في إحدى الشوارع امرأة مسنة في العقد السابع من عمرها تحمل أكياس بداخلها خضار وفواكه وربطة خبز تمشي وتتعثر تارة تقف وتارة تضع مابيدها على الطريق ...
تقدمت وميسون نحوها قلت لها اساعدك في حمل الاغراض خالتي ..... تمعنت من تحت نظارتها بوجهي وقالت: أنت عسكري من الجيش قلت لها: لا انا مدني وأحب اساعدك...
قالت أنت لا .....
اريد هذه تساعدني وأشارت إلى ميسون .... تقدمت ميسون وحملت كل الاغراض وانا بجانبها امشي. .... قالت لي : هي هذه زوجتك...
قلت لها: لا هي اختي ياخالتي
عند وصولنا زاوية الشارع وقع انفجار آخر وقريب جدااااا من مكان تواجدنا حيث الغبار غطى المنطقة ولم نعد نستدل على بعضنااااا فقط اسمع حركة وسيارات وصافرات إسعاف وعندما انجلى الغبار وكشفت المعالم وجدنا تلك المسنة قد ارتطم رأسها بالرصيف من شدة الانفجار استدركنا الواقعة وطلبنا المساعدة من أشخاص اهل ذاك الحي لانقاض هذه المرأة بأي شكل من الأشكال. ...
وهم اساسااااا يعرفون هذه المسنة وأين تسكن.
في بيت ميسون ........
خرجنا من الشارع بسرعة البرق وصولا إلى الشارع الرئيسي اوقفنا سيارة أجرة وانطلقنا .....
صمت يخيم علينا ولا كلمة فقط ميسون قالت للسائق لو سمحت أوصلنا على منطقة.......... ؟
دخلنا البيت منهكين من شدة التعب والف علامة استفهام مرسومة على وجوهنا ...
حيث تفاجأ أبناء وبنات ميسون من منظرنا غبار واتربة ووجوه مصفرة ورعب وخوف وقهر وضجر...
قالت كنانة ابنة السيدة ميسون ماما ماما ماذا جرى لكم.ولماذا انتم في هذه الحالة.
استدراك.....: كنانة هي طالبة ثالث تانوي وشقيقها معتز حادي عشر وهناك فدوى طالبة ثالث إعدادي.......
ميسون أجابت ابنتها لا عليك فقط جدك قد توفى؟
هيااااا كنانة نحن بحاجة إلى فنجان من القهوة....،
ميسون تنهدت بقوة
وقالت لي وهي تنظر إلى وجهي أكثر ما أخشاه يا استاذ أيها الصديق الوفي الطيب
أن يتسلل هذا الشيئ الذي يضج باركانه العالم الى دواخلنا ، وأن لا تهزنا صورة رجل مات امامنا ولا صوت حرة أستبيح شرفها ولا أشلاء رجل غرق بدمه ، أن تصبح مأساتنا صور أعتاد العالم على مشاهدتها
، أن تصبح كسرة خبز ناشفه وجبة دسمه تستحق العناء لأجلها ، أن نفقد دهشتنا أمام أمور لم نجرأ أن نتخيل حدوثها يوما ما ، أن يكبر الخوف فينا ونربيه بقلوبنا حتى يصبح وحشا وبعدها لا نهاب مغامرة حتى لو كان ثمنها عمرنا ، أن تضيق بنا الدنيا وتسد دروب الحياه أبوابها في وجوهنا ولا يتسع دربنا إلا لمرور تنهيده ، أن تتعدد السبل أمامنا وجميعها تؤدي إلى وجه الموت فنختار وجه أقل شر حتى يليق بأدنى مقام مما تبقى بآدميتنا كبشر
،عليا ان أتفقد هذا الكون من حولي أبحث عن بقايا إنسانيه جمعت أهل الكون بأسره فلا اجدها سوى بدمعة قهر ساخنه حرقت وجه طفل ..وامرأة ثكلى
واب فقد أفراد أسرته.
قلت لها ووجهها الشاحب:
مازال ياسيدتي في قلبي بقايا من روح امنة ربما نلتقي يوماً ويجمعنا الربيع وان تنتهي أحزاننا وأن تجمع الأقدار يوماً لم شمل هذا الوطن الممزق فأنا أشعر اني أختنق ماعاد في عمري
سوى أطياف ذكرى تحترق
أياميَ الحيرى تذوب مع الليالي المسرعةوتضيع أيامي على درب السنين الضائعة بالرغم من هذا
مازال في قلبي بقايا امنة
أن يجمع الأحباب دربٌ
تاه منا.. من سنين
القلب يا سيدتي كم يشقى... وكم يتألم؟
صمتت وهي تطيل النظر وفنجان قهوتي يتصاعد منه اهات ممزوجة بدخان سيجارتي
عندها سحبت ورقتي وقلمي وبدأت اكتب::
ثمّة أشياء لا يُمكن إخفاؤها ، ثمّة دموع واضحة يراها حتى الأعمى وإن لم تنهمر من العيون ،ثمّة غصّة في القلب لا بُدَّ أن تظهر مهما حاولنا وأدها ، ثمّة ندوب في الروح لا يمكن التحايل لإخفائها ، ندوب الروح كشمس الظهيرة مهما حاولت الغيوم حجبها إلا أنَّ شيئاً منها يتسلل ويُضيء ويقول لك : أنا هنا أنا هنا!
في حينهااسدلت ستائر المساء ودقت أجراس الكنائس ورفعت من المأذن صيحات التهليل والتكبير
الله وأكبر...... أغلقت قلمي وطويت وريقاتي ورددت في نفسي النصر للثورة النصر للثوار والموت للطاغية.
يتبع.....
من رواية زهرتي والنخيل
الإعلامي الكاتب الدكتور سامي السعود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق