اخر الاخبار


الأربعاء، 15 يوليو 2020

كلُ ماعداهُ فهو باطلٌ -الكاتب والمفكر ياسر شلبى محمود


كلُ ماعداهُ .. فهو باطلٌ


إنهُ الإسلام .. نعم ، فكلُ ماعدا الإسلامَ الحنيفِ فهو ـ بالحقِ ـ باطلٌ .
يقولُ عزَّ مِنْ قائلٍ فى كتابِهِ الكريمِ : { وسرابيلَ تقيكُم بأسَكم } أى تقيكُمُ البردَ ، فسمى اللهُ تعالى البردَ هنا بالبأسِ وهو الشدةُ والمحنةُ ، وهو أيضاً الضُر .. ويقولُ ـ سبحانه ـ فى الآيةِ 13 من سورةِ الإنسانِ : { لايَرَوْنَ فيها شمساً ولا زمهريرا } . أى لايرى أهلُ الجنةِ فيها شمسَ الدنيا التى عاينوها مِنْ قبلُ بلفحها .. ولا أيضاً بَرْدَهَا القارسُ والقاسى الذى هو شديدُ البرودةِ .
والمُستفادُ هنا بمفهومِ المخالفةِ ، أنه على عكسِ الجنةِ تماماً فإن جهنمَ ـ أعاذنا اللهُ منها وإياكم ـ قد يُرى فيها ذلك ، أى يُرى فيها مانفى اللهُ وجودَهُ فى الجنةِ من حرٍ شديدٍ كان مصدره فى الدنيا تلك الشمسِ بلفيحها ، وكذلك الزمهريرَ ، وهو البردُ الشديدُ القارسُ الذى فيه بأسٌ وشدةٌ ومحنةٌ .. ولكن ، هل يُمكن أن يكون فى جهنمَ برداَ وهو على النقيضِ تماما عما عُرف عنها من أنها نارٌ وحرارةٌ ولفيح ؟ .. نعم ، يُمْكِنْ ذلك طالما أنه ـ أى البرد ـ من أدواتِ التعذيبِ ، وليس أدلُ على ذلك عندى مِنْ قولِهِ تعالى ـ فى سورةِ النبأ آيتين 24 و 25 ـ { لَّايَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًَا وَلَا شَرَابًا ، إلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } أى لا يذوقُ أهلُ جهنَّمَ فيها بردا ولا شرابا نتناً ، إلا بتلك الصفة التى هى حد المنتهى من الحرارةِ والبرودةِ ، كقولِهِ أيضاً عن أهلِ النارِ فى سورةِ ( ص ) آية 57 منها : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ } وفيها تأكيدٌ صريحٌ بوجودِ المتناقضينِ معاً فى جهنمَ ، لأن الحميمَ إنما هو المنتهى فى درجةِ الغليانِ ، بينما الغساقُ إنما هو المنتهى فى درجةِ البرودةِ .
ولكن ، مانلمحه هنا من ملمحٍ ، وهو أساسُ فكرةِ هذا المقالِ .. أن الأشياءَ ـ وإن تناقضتْ فى ظاهرِهَا ـ يُمكنْ أن تعودَ فى خصائصها عند الذروةِ والمنتهى إلى ( أصلٍ واحدٍ ) وينتفى عندئذٍ التناقضُ بينها ، ويأخذ البردُ خاصيةَ الإحراقِ مثله مثل النارِ تماما ، ولنا فى دنيانا المثلُ والعبرةُ فيما نجدُه من عذاباتِ البردِ أحياناً ، وإمكانيةِ أن يُحدثَ للبشرةِ والأطرافِ مايُحدثُه الحرُ الشديدِ ، وتكون له لفحةٌ كلفحةِ الشمسِ وإن إختلف فى درجةِ التأثيرِ والكيفيةِ .. والذى يُعمقُ من وجهةِ نظرنا هذه ، أن حالةَ التناقضِ بين الحرارةِ والبرودةِ فى جهنمَ لو كانت قائمةً بعد وصولهما الذروةِ والمنتهى ، لأنتجَ ذلك لطفا من عذابِ كليهما لتكافؤهما على التناقضِ ، فيؤثرُ كلٌ منهما على خاصيةِ الاخر .. فالحرُ يصنعُ دفئاً من البرودةِ ، والبرودةُ تحدُ وتخففُ من شدةِ الحرارةِ ، مما يعنى إستحالةِ تناقضهما ــ والحالةُ هذه من بلوغِ الذروةِ والمنتهى ــ لأن اللطفَ فى العذابِ غيرَ جائزٍ على أهلِ جهنم .
إن أيدلوجيةَ الأصل الواحدِ لخصائصِ الأشياءِ ــ التى هى فكرتُنا فى هذا المقالِ ــ إنما تُوجبُ حتماً ضرورةِ الأصلِ الواحدِ أيضاً لعناصرها ، ولنضرب لذلك مثلا .. الطينُ والماءُ ، يخلقُ منهما اللهُ البشرَ والحيوانَ والطيرَ والحشراتِ ، كما يخلق منهما أيضاً النبات . وكلٍ منهم ــ وإن اختلفَ فى خصائصه ــ إلا أنهم مشتركون جميعاً فى العنصرِ الواحدِ وهو الماءِ والطينِ ، مما يجوزُ معه ولايمتنع عليهم ، إمكانية إلتقائهم فى الخصائصِ كلما بلغوا الذروةَ فيها بشكلٍ أو بآخرٍ إذا ماكُشِفَ بينها حجابٌ فيما وراءِ الطبيعةِ مثلا ، أو من غيرِ ذلك حسبِ المشاهدُ لنا فى عالمنِا الطبيعى .
ولو أننا سحبنا هذه الأيدلوجيةِ بفلسفتها فى أفعالِ الخلقِ ، لوجدنا شيئا مما سبق يُكللَ أعمالَهم ، ويصبغها بأيدلوجيةِ ( الأصل الواحد للأشياء ) ، فيكونُ ــ والأمرُ هكذا ــ كلُ المتناقضاتِ فى عالَمِنا إنما تعودُ فى منشأها إلى جِهَةٍ واحدةٍ لتكون هى المنشأ .. ولا غرو فى ذلك ولاعجبَ ، أن تكون الرأسماليةُ والشيوعيةُ ـ مثلا ـ كلاهما يعودُ إلى جهةٍ واحدةٍ مُنشِإة ، وكذلك كلُ التنظيماتِ والمنظماتِ والحركاتِ وإن اختلفت مسمياتها . ولايكون من عجبٍ كذلك .. أن يكون التيار الدينى ــ بمختلفِ مسمياتهِ ــ والعلمانيةِ أيضاً فى أمتنا مجتمعانِ فى أصلِ المنشأِ ، وهما متناقضانِ فى ظاهرهما ، مجتمعانِ فى الخصائصِ عند ذروةِ التوغلِ فى كينونتيهما .. الأولُ توغلا فى عمقِ الدينِ وداخله بفهمٍ خاطئٍ وتطرفاً ، والثانى توغلا إلى الخروجِ منه بفهمٍ خاطئٍ أيضاً وتطرفاً ، فيجتمعانِ ويلتقيانِ ــ بعد بلوغِ الذروةَ فى التوغلِ كلٌ فى شأنهِ ــ فى خاصيةٍ واحدةٍ وهى الخروجِ من الدينِ بالكليةِ .
إن الجهةَ المنشإةَ لكلا التيارينِ فى أمتِنا ــ بعد أن إستفادت وتعلمت من سنةِ اللهِ فى كونه ــ إنما هى تلك الجهةِ التى أعطاها اللهُ من علمهِ ، مايجعلها قادرةً على التفكيرِ والتخطيطِ ، وعلى إخراجِ مثل هذه النظرياتِ والأيدلوجياتِ لتكون فى الأرضِ فتنةً ، ليمحصَ اللهُ بها المؤمنَ العاقلَ الرشيد من المؤمنِ السفيهِ الذى يُخرج نفسه بسفههِ من الدينِ ، بأن جعل للإسلامِ أبواباً غيرَ بابِ محمداً ابن عبد الله ( نبىُ الإسلامِ الحق ) ، مثل باب ( حسن البنا ) فى مصر ، وباب ( محمد ابن عبد الوهاب ) فى نجد والحجاز ، وكلُ ذلك باطلٌ وَرَدّْ . وقال لهم صانعُهم هنا دينكم ، وتلك التنظيماتِ إنما هى إسلامكم .. وتسموا بمسمياتٍ إستغنوا بها عن مسمى " الإسلامِ " نفسهُ ، واستغنوا بها عن مسمى " مسلمٍ " .. وجعلوا لهم جماعاتٍ استغنوا بها عن ( كاملِ الأمةِ ) التى لاجماعةَ إلا بها مكتملةً .. تماما مثلما فُتِنَ بنوا إسرائيلُ بالعجلِ ، وقال لهمُ السامرى " هذا إلهكم وإله موسى " ولم يقُل لهمُ الخبيثُ أنه إلهٌ آخرَ غيرَ إللهِ ، فيكونُ الإختيارُ بينَّاً واضحاً بين إلهٍ وإله ، فعبدوهُ ظناً منهم أنه اللهُ ، عبادةَ طاعةٍ وإيمانٍ وليس تمرداً وكفراً .. وعبدوهُ دخولاً فى الدينِ لاخروجاً عنه . ولكنَّ السفهاءَ خرجوا وكفروا بسفههم ، وعدمِ إعمالِ عقولهم .
إن التيار الدينى فى أمتِنا ، والعلمانيةُ فيها أيضاً .. كلاهما وجهانِ لعملةٍ واحدةٍ ولاعَجَبَ .. ولما كنا اليومَ فى عصرِ " البُعد الثالثِ " ، فلاتعجبَ أن تكونَ للعملةِ الواحدةِ أكثرَ من وجهينِ . فتتعددُ الوجوهُ بتعددِ التنظيماتِ والمنظماتِ ، وأيضاً الحركاتِ (ولو أسموا أنفسهم أحراراً وهم فى العبوديةِ قد غرقوا ) .. تلك التى لم يُنْزِل اللهُ بها من سلطانٍ فى الإسلامِ الحنيفِ ، ليظل كلُ ماعداهُ باطل .

ياسرشلبى محمود
كاتبٌ ومفكر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق