اخر الاخبار


الأربعاء، 15 يوليو 2020

المقهى القديم -الكاتب محمد محمود غدية


المقهى القديم

قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية

رسمت الملوحة والتشققات
علي جدران المقهي لوحات وخرائط وتضاريس بلا معالم أو عنوان، المقاعد والطاولات قديمة غير لامعة لكنها نظيفة، صورة صاحب المقهي تتصدر الواجهة طاردة لا جاذبة من تكشيرة وعبوس صاحبها ،
المقهي قطعة من الحياة أشبه بقطار طويل يتأهب زحمة وحشدا ، في محطة القطار مودعون وجلبة، داخل هذه الفوضي قصص ومآس لأشخاص أقبلوا علي الحياة بخطي متماسكة، جميعهم تفرقوا في محطات الوصول
ذلك الرجل الخمسيني ، إختارته طاولة في ركن بعيد عن جلبة المقهي وصخب فيشات الطاولة والنرد والدومينو، كما اختار الكتابة، اكثر النشاطات إنعزالية في العالم، يري أن المشكلة الحقيقية التي تواجه إنسان القرن الحادي والعشرين ، أنه لايعرف متي يبدأ ولا متي يتوقف، إختار الشعر أو هو الذي أختاره، يسبح في فضاءات لا تنتهي، يحمل في قلبه آلام مثل طائر أعياه الترحال، يقاوم الريح والإعصار بضراوة خشية من النهايات البائسة والموت غريبا منسيا ،
سأله يوما أحد الأصدقاء عن سبب بكائه : فأجابهم بقصيدة محمود درويش:
أنا لا أبكي / كل مافي الأمر /
أن غبار السنين / قد دخلت عيني .
كان يعشق البحر قبل أن يصبح من رواد المقهي الدائمين ، يشكو إليه غياب الأحباب، يرقب أمواجه وهي تتدافع بقوة حتي تصطدم بالشاطئ، في إيقاع متواتر عنيف يتشابه مع إيقاع مشاعره داخل صدره التي تضج بالصخب والعنف ،
يعود من البحر بشيء من السكون أشبه بالدمع المعلق في محجر العيون لايفيض ولايذهب ، يحتسي فنجانا من القهوة أثناء غرقه في حبر الكلمات، يمضغ أحزانه ويلوك تعاسته في صمت مدهش،
قال عنه البعض من بين ثرثرات المقهي : أنه خرج معاشا مبكرا ، وأنه لم يتزوج لأنه صدم في التي أحبها، لا أحد يعرف حقيقة الغريب الذي يجيء ويذهب وحيدا، قصائده رغم الوجع، تقطر عذوبة ونقاء، لا يمكنك الدخول إليها قبل خلع حذائك وطرق الباب ليؤذن لك بالدخول،
لابد أيضا اذا سبحت في أشعاره ، أن تكون صافي الوجدان هامس الصوت ،
الصباح لم يعد دافئا كعادته، فقد جاء الخريف بلسعات برد متمهلة، بعد أن تناثرت حزم الضوء التي بدأت بالانسحاب عن طاولته،
لم ينتفض من البرد كالآخرين الذين إرتدوا معاطف الشتاء، لأن الصقيع بداخله، لديه شوق لرؤية حبيبته التي لم تغب عنه يوما واحدا،
بعد أن تمكنت منه وسكنته،
مزق الشاعر شهادات التقدير التي حصل عليها في منتديات الشعر ،
غادر الشاعر المقهي بعد أن كتب في ورقة مزقت لحقا بدفتر أشعاره،
إنتظرتك سنوات طوال أن تعودي / ولم تعودي / بعد أن ماتت أغنياتي / وانكسر عودي .
لاتطرقي الباب كل هذا الطرق الباب موصد ،
وأنا لم أعد هنا، أنا حيث الغياب، كل الأبواب موصدة، حتي ثقوب الذاكرة وثنايا الأحلام المعطوبة، ودفاتر شعري وأوراقي باتت في مرمي العاصفة.
ظلت طاولة الشاعر التي إختارته خالية منه لسنوات، لا أحد يعرف أين ذهب..؟_بعضهم قال: هاجر والبعض قال: مات
شاخ المقهي والنادل والكراسي والطاولات، وهطل المطر الذي غسل البيوت والشوارع ، والتي فرحت به نبتة ذابلة، وأرض متشققة عطشى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق