اقتباس عود كبريت
نهضت " فاتن" من فراشِها في ذلك الصباح، وبدا من عينيها أنَّها لم تذقْ طعماً للنوم طوالَ الليلِ، من حلقها انطلقت تنهيدةٌ حارة، وهي تتطلع لوجهها في المرآة، وقد ظهرت بعضُ الهالاتِ السوداء تحتَ عينيها..
فردت شعرَها الناعم..
وراحت تتحسسه بأصابعِها..
انفلتت دمعةٌ ساخنة سالت على خدِّها في نعومة، حين وقعت عيناها على تلك الشعرةِ البيضاء التي تسللت لشعرِها..
لم تكن تلك هي المرة الأولى؛ فمنذ شهرٍ تقريبا رأت أولَ شعرةٍ بيضاءَ بشعرها..
وها هي الشعرةُ الثانية تتسلل لشعرها الأسود على الرغم منها..
وتذكرته..
حبيبها " كمال" الذي سافر منذُ ما يقربُ من خمس سنوات؛ ليحضر لها المهر والشبكة ويتزوجها..
" كمال" الذي خطبها من والدها الأستاذ رشاد قبل أن يتوفاه الله..
سالت من عينيها دمعةٌ أخرى، وهي تهتف بأعماقِها في لوعةٍ:
- أين أنتَ يا "كمال"؟!
خمسُ سنواتٍ مرَّت على سفرك، ورسائلك لا تحملُ أملا واحدا في مستقبل آمن يجمعنا سويا.
من حلقها انطلقت زفرةٌ حارةٌ أخرى، وهي تتحرك بتثاقل لتلقي بجسدها فوقَ مقعدِها خلفَ مكتبها الصغير، وراحت أعماقُها تصرخُ في ثورة:
- أين طريق السعادة من فتاة مثلها؟
اسمها " فاتن" ..
وهي فاتنةٌ بحق؛ ظلت محتكرةً المركز الأول لملكة جمال كلية الإعلام طوالَ سنواتِ دراستها بالجامعة..
جميع طلاب دفعتها والدفعات التي تلتها كانوا يُمنِّون أنفسَهم بفتاةٍ مثلها..
ولكنها اختارته هو..
" كمال"..
الذي لم ينبض قلبها بالحبِّ إلا له ..
كمال الذي سيطر بحبِّه علي قلبها، ومشاعرها، وكيانها..
زفرةٌ حارةٌ ثالثةٌ انطلقت من حلقها، وهي تمدُّ أصابعها الرقيقة، وتفتح حاسوبَها الخاص، وبمهارة انتقلت أصابعها لصفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت في صندوق رسائلها الخاص أكثرَ من خمسين رسالة..
نعم خمسون رسالة، ولكنها من شخص واحد..
"سامر"..
ذلك الشاب العربي الذي تعرَّفت عليه منذُ ثلاثةِ أشهر..
في البداية اعتبرتها صداقةً عادية كآلاف الصداقات التي تنشأ على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه شيئا فشيئا بدأ يتقرب إليها، ويحكي لها الكثير والكثير عن أموره ومشاكله الخاصة..
ثم أرسل لها صورته..
كان شابا وسيما يمثل حلماً لكلِّ فتاة..
وبسرعة طافت عيناها على رسائله بإلحاح من فضولها..
جميعُ الرسائل تحوي مطلباً واحدا وبإلحاح..
الزواج..
ولم تكن أولَ مرةٍ يعرض عليها هذا الأمر..
لقد عرضه منذُ أسبوعين ولكنها رفضت وبحسم..
ولكن ها هو عاد من جديد يلحُّ ويلح..
وجدت بين رسائله صوراً عديدة لفيلا فخمة حولها حديقة غنَّاء، وتحتها عبارة واضحة " فيلتك حبيبتي بعد الزواج "..
كادت شفتاها تنفرجان عن ابتسامةٍ ساخرةٍ من ذلك النخاسِ الذي يعتقد أنَّ المالَ قادرٌ على شراء كلِّ شيء وأي شيء، لولا أن التقطت عيناها رسالته التالية..
وجحظت عيناها في ذهول؛ ففي تلك الرسالة يكمن حلمُها الذي من أجله التحقت بكلية الإعلام ..
عقدٌ يحملُ اسمها للعمل في محطةٍ فضائيةٍ شهيرةٍ بإحدي دول الخليج..
بكلِّ ألمٍ تئنُ به جوارحها التفتت لمرآتها..
راحت تتحسس لوجهها..
تتلمس الهالات السوداء أسفل عينيها..
تذكرت أمر الشعيرات البيضاء التي تسللت لشعرها و..
دون أن تشعر – ولأول مرة منذ أسبوعين – قررت أن تردَّ عليه، وكتبت:
- لمَ كلُّ هذه العروض، وأنتَ تعرف أنِّي أحبُّ غيركَ؟
وجاءها الردُّ سريعاً، وكأنَّه كان على موعدٍ معها:
- وأنا لم ولنْ أحبَّ غيركِ.
دمعة رابعة تسيل، وأصابعُها تكتب:
- ولكني أحبُّ "كمال"، ولن تكون سعيداً معي.
- أنا أضمن سعادتكِ وسعادتي.
سيطر عليها الصمتُ للحظاتٍ بعد عبارته، تحولت فيه دمعاتُها القليلة إلى شلالٍ من الدموع انهمر من عينيها، وأغرق خدَّها الجميل..
شجعه صمتُها على مواصلة الكتابة، والطرق على الحديد وهو ساخن:
- "فاتن".. كوني على يقينٍ بأنني أحملُ لكِ الحبَّ والنجاحَ والمستقبلَ و..
جاءته حروفُها من بين دموعها لتقاطعه:
- أوافق.
- ماذا .. ماذا قلتِ يا "فاتن" ؟!!!
ازداد انهمارُ دموعها، وأصابعها تكتبُ:
- أقول لكَ موافقةٌ.. موافقةٌ على الزواج منكَ.
صمت للحظاتٍ شعرت فيها "فاتن" بأنَّ قلبه يدقُّ بشدةٍ، وصدره يعلو ويهبط غيرَ مصدقٍ، ثم جاءتها كلماتُه بحروفٍ من أصابعَ مرتعشةٍ أو هكذا تخيلته:
- "فاتن".. حبيبتي .. أعدكِ بأنكِ لن تندمي .. لن تندمي أبدا.
راحت أصابعها – بعد أن أغلقت صفحة التواصل الاجتماعي – تتخلل شعرَها الذي تهدَّل فوق جبينها، وابتل بدموعها الغزيرة ، ثم صرخت في لوعةٍ أشبه بطائرٍ ذبيحٍ:
- آسفة .. آسفة يا " كمال".
فردت شعرَها الناعم..
وراحت تتحسسه بأصابعِها..
انفلتت دمعةٌ ساخنة سالت على خدِّها في نعومة، حين وقعت عيناها على تلك الشعرةِ البيضاء التي تسللت لشعرِها..
لم تكن تلك هي المرة الأولى؛ فمنذ شهرٍ تقريبا رأت أولَ شعرةٍ بيضاءَ بشعرها..
وها هي الشعرةُ الثانية تتسلل لشعرها الأسود على الرغم منها..
وتذكرته..
حبيبها " كمال" الذي سافر منذُ ما يقربُ من خمس سنوات؛ ليحضر لها المهر والشبكة ويتزوجها..
" كمال" الذي خطبها من والدها الأستاذ رشاد قبل أن يتوفاه الله..
سالت من عينيها دمعةٌ أخرى، وهي تهتف بأعماقِها في لوعةٍ:
- أين أنتَ يا "كمال"؟!
خمسُ سنواتٍ مرَّت على سفرك، ورسائلك لا تحملُ أملا واحدا في مستقبل آمن يجمعنا سويا.
من حلقها انطلقت زفرةٌ حارةٌ أخرى، وهي تتحرك بتثاقل لتلقي بجسدها فوقَ مقعدِها خلفَ مكتبها الصغير، وراحت أعماقُها تصرخُ في ثورة:
- أين طريق السعادة من فتاة مثلها؟
اسمها " فاتن" ..
وهي فاتنةٌ بحق؛ ظلت محتكرةً المركز الأول لملكة جمال كلية الإعلام طوالَ سنواتِ دراستها بالجامعة..
جميع طلاب دفعتها والدفعات التي تلتها كانوا يُمنِّون أنفسَهم بفتاةٍ مثلها..
ولكنها اختارته هو..
" كمال"..
الذي لم ينبض قلبها بالحبِّ إلا له ..
كمال الذي سيطر بحبِّه علي قلبها، ومشاعرها، وكيانها..
زفرةٌ حارةٌ ثالثةٌ انطلقت من حلقها، وهي تمدُّ أصابعها الرقيقة، وتفتح حاسوبَها الخاص، وبمهارة انتقلت أصابعها لصفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت في صندوق رسائلها الخاص أكثرَ من خمسين رسالة..
نعم خمسون رسالة، ولكنها من شخص واحد..
"سامر"..
ذلك الشاب العربي الذي تعرَّفت عليه منذُ ثلاثةِ أشهر..
في البداية اعتبرتها صداقةً عادية كآلاف الصداقات التي تنشأ على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنه شيئا فشيئا بدأ يتقرب إليها، ويحكي لها الكثير والكثير عن أموره ومشاكله الخاصة..
ثم أرسل لها صورته..
كان شابا وسيما يمثل حلماً لكلِّ فتاة..
وبسرعة طافت عيناها على رسائله بإلحاح من فضولها..
جميعُ الرسائل تحوي مطلباً واحدا وبإلحاح..
الزواج..
ولم تكن أولَ مرةٍ يعرض عليها هذا الأمر..
لقد عرضه منذُ أسبوعين ولكنها رفضت وبحسم..
ولكن ها هو عاد من جديد يلحُّ ويلح..
وجدت بين رسائله صوراً عديدة لفيلا فخمة حولها حديقة غنَّاء، وتحتها عبارة واضحة " فيلتك حبيبتي بعد الزواج "..
كادت شفتاها تنفرجان عن ابتسامةٍ ساخرةٍ من ذلك النخاسِ الذي يعتقد أنَّ المالَ قادرٌ على شراء كلِّ شيء وأي شيء، لولا أن التقطت عيناها رسالته التالية..
وجحظت عيناها في ذهول؛ ففي تلك الرسالة يكمن حلمُها الذي من أجله التحقت بكلية الإعلام ..
عقدٌ يحملُ اسمها للعمل في محطةٍ فضائيةٍ شهيرةٍ بإحدي دول الخليج..
بكلِّ ألمٍ تئنُ به جوارحها التفتت لمرآتها..
راحت تتحسس لوجهها..
تتلمس الهالات السوداء أسفل عينيها..
تذكرت أمر الشعيرات البيضاء التي تسللت لشعرها و..
دون أن تشعر – ولأول مرة منذ أسبوعين – قررت أن تردَّ عليه، وكتبت:
- لمَ كلُّ هذه العروض، وأنتَ تعرف أنِّي أحبُّ غيركَ؟
وجاءها الردُّ سريعاً، وكأنَّه كان على موعدٍ معها:
- وأنا لم ولنْ أحبَّ غيركِ.
دمعة رابعة تسيل، وأصابعُها تكتب:
- ولكني أحبُّ "كمال"، ولن تكون سعيداً معي.
- أنا أضمن سعادتكِ وسعادتي.
سيطر عليها الصمتُ للحظاتٍ بعد عبارته، تحولت فيه دمعاتُها القليلة إلى شلالٍ من الدموع انهمر من عينيها، وأغرق خدَّها الجميل..
شجعه صمتُها على مواصلة الكتابة، والطرق على الحديد وهو ساخن:
- "فاتن".. كوني على يقينٍ بأنني أحملُ لكِ الحبَّ والنجاحَ والمستقبلَ و..
جاءته حروفُها من بين دموعها لتقاطعه:
- أوافق.
- ماذا .. ماذا قلتِ يا "فاتن" ؟!!!
ازداد انهمارُ دموعها، وأصابعها تكتبُ:
- أقول لكَ موافقةٌ.. موافقةٌ على الزواج منكَ.
صمت للحظاتٍ شعرت فيها "فاتن" بأنَّ قلبه يدقُّ بشدةٍ، وصدره يعلو ويهبط غيرَ مصدقٍ، ثم جاءتها كلماتُه بحروفٍ من أصابعَ مرتعشةٍ أو هكذا تخيلته:
- "فاتن".. حبيبتي .. أعدكِ بأنكِ لن تندمي .. لن تندمي أبدا.
راحت أصابعها – بعد أن أغلقت صفحة التواصل الاجتماعي – تتخلل شعرَها الذي تهدَّل فوق جبينها، وابتل بدموعها الغزيرة ، ثم صرخت في لوعةٍ أشبه بطائرٍ ذبيحٍ:
- آسفة .. آسفة يا " كمال".
Magdy Mahrouse
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق