اخر الاخبار


الثلاثاء، 7 يوليو 2020

المسافرة -الكاتب محمد محمود غدية



 المسافرة 

قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية


موفورة الملاحة ، بوجنتين وشفتين وعينين نجلاوين مسالمتين ، تنضج كلها بالصحة الفياضة ، فى أتيلية بيع اللوحات ، توقفت طويلاً ، أمام لوحة " الشاردة " التى رفض الفنان بيعها ، لما تحمله من وجع ، فى شرايين الغياب .
يحمل الإنسان بداخله تناقضات ، قد تبلغ حد الجمع بين الأضداد ، كالغموض والوضوح ، النبالة والخسة ، الأحجام والأقدام ، الصدق والكذب ، الحب والكراهية ، هى أشياء عصية على الإدراك .
بحرت به الزوارق ، إلى جزر الحياة المبهمة الغامضة ، زوارق الحب وحدها ، هى من وضعته فى منتصف المسافة ، بين عالمين متناقضين فى طبيعتهما وتكوينهما ، عشق الفن ، لأن فيه حياة ، فى محاولة لزحزحة الهم ، بعض الوقت ، ليستأنف بعدها ، رحلة الوجع التى لا تنتهى .
الليل فى لوحاته ، كائن بليد ، يعيش تشكيله على هواه ، وكأنه يلقى بمحبرة الألوان كاملة على اللوحة ، فتستصطبغ بالسواد .
با استثناء " الشاردة " طالتها المساحة الأكبر من الوجع ، والتى توقفت أمامها موفورة الملاحة ، لأنها تشبهها ، وكأن ما يحيط باللوحة ، يتشكل من دمعاتها ، ملامح غريق يتوسل النجاة .
- سألته : لماذا كل هذا الوجع والسواد ، وكأنك الراكب الوحيد فى قطار الحزن ، أشبه بالبجع المكسور الجناح ، فى ثلج الفضاء العاصف ......... ؟ !
- دعاها الفنان إلى مشاركته فى فنجان قهوة ، لم تمانع ، لرغبتها فى كشف أغوار الوجع المتمدد حتى الأحداق ،
سجل على الورق أمامها مقطع لقصيدة للشاعر خليل حاوى :
- كل ما أعرفه أنى أموت / مضغة تافهة فى جوف حوت .
صدمه قولها : إن الفشل فى الحب ، لا يعنى الموت .
تكلمت كأنها مطر يروى أرضاً متشققة من الظمأ ، يحدق فى عينيها ، يستكشف ألقهما للمرة الأولى ، وكأن العالم ، يبدأ خلقة من هاتين العينين .
تشبه المرأة البعيدة ، التى أشرقت يوماً فى ظلام حياته ، الوقت شتاء ، يلمس الدفء الذى يشع قبالته ، والذى أمتد بطول قلبه وعرضه ، فى دعة وهدوء ، تحدثه عن الرجل والمرأة المغموران بوشاح المسرة، وإن الحب مسرة للجسد والنفس ، به تشف الروح ، ويتفتح الجسد .
تعتذر لأن طائرتها ستقلع بعد ساعات ، تمضى .. وتبقى على الجدران لوحة وحيدة ، لأمرأة بعيدة . وعلى الطاولة ، منفضة الصمت ، المليئة بأعقاب كلمات لم تكتمل ، لامرأة مسافرة فى الغياب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق