اخر الاخبار


الخميس، 30 يوليو 2020

بينيلوبي حبيبتي -الشاعر أيسر حسين


 بينيلوبي 
حبيبتي


تغزل وتنسج كل يوم

ثوب حبنا وعفتها

فأحل كل ما نسجت

بعصياني واحباطي

توقن أن أوديسيوس

لابد يوماً أن يعود

ولو تاهت سفينته

في بحر أحلامه الصبيانية

ترسل كل يوم إليه أثينا

لتوقظ أحلامه المحتضرة

لكن أوديسيوس الماكر

يعشق غموض بحر التيه

ويرفض نصائح أثينا

ويكره أن يرى بومتها

تحط على قمة شراع سفينته

لترشده إلى الشاطئ

بينيلوبي رقيقة كعادتها

وأوديسيوس مكابر عنيد

يرفض أن يعود إليها

إلا عابراً بحر الظلمات

مصارعاً أعتى أمواجه

بينيلوبي كل يوم تبتهل

وتدعو له

وأثينا كل لحظة تدعوه

لدخول معبدها

لكنه ينهرها في أحلامها

عن الدعاء والابتهال

ويصم قلبه عن دعوات أثينا

ويغلق عينيه أمام إشاراتها

لطريق المعبد

كم أنت أحمق

يا أوديسيوس المغرور

لم ينفعك مكرك ودهاؤك

فتكاد تبتلعك الأمواج

ولم تزل مكابراً

ترفض الصلاة والدعاء

وتأبى إلا أن تصارع الأطواد وحدك

تظن أنك ستفلقها بسيفك البتار

سيفك لم يعد مشحوذاً

ثلمه قتالك لعتاة طروادة

ونفد مكرك ودهاءك

بصنع الحصان الخشبي

جسدك ماعاد فتياً لتصارع

مخلوق البحر الخرافي

ذو المائة رأس

وجنيات وساحرات

الجزر المتراميه

وكم أنتِ صبورة يا بينيلوبي

ترفضين كل راغبيكِ

من أثرياء وأمراء العصر

من أجل فارسكِ الأحمق

تؤمنين به يقين الأنبياء

هل جرعكِ عناده وصلابته

قبل ذهابه لتدمير طروادة

ألا تعلمين أنه كمحارب

يعرف كيف يهدم مدناً بأكملها

وقط لم يتمرس البناء

أمثل هذا قادرٌ على تشييد

قصراً لحبه المزعوم

ألم تخبركِ ربة الحكمة

عن طيشه ومجونه ونسائه

اللواتى خدعنه و هجرنه

لصلفه وكبره وعناده

أترضين ببقايا فارس

مزقته نساء طروادة

قبل أن يحرق ما يسترهن

ما عاد هذا المحارب المختال

يستطيع أن يلقى على قلبكِ

كلمات العشق والهوى

عشرة أعوام قضاها

أمام أسوار طروادة

نسي فيها

طلاوة الأحرف ورقة الكلمات

لم ينطق إلا مترادفات خشنة

ليلهب حماس جنوده

لم يتحدث إلا عن حصد الرؤوس

وتمزيق الاجساد

تحجر قلبه

وجفت الدماء في عروقه

والعبرات في محجريه

بعدما ندب وأحرق

أجساد أنصاف الآلهة

الذين كان يظن

أن الموت لن يقهرهم

عشرة أعوام أخري قضاها

لم ينبس إلا ببضع كلمات

عن صراع الأمواج

ولم يجر حديثاً

مع أحد من البحارة

فلم يعد قلبه الرخامي

يقنع أويعلق برفاقه

ولا ساحرات البحر وجنياته

بعدما أحرق بيديه

أنبل جسدين عرفهما

نسي أثينا

فانسته نفسه وأصبح يهذي

تائها لايرى النور

ولا يصل مرمى بصره

إلى أي شاطئ نجاة

أمواج ثم أمواج

هي كل ما يراه

آه يا بينيلوبي الحريرية

أسفي عليكِ حبيبتي

لم يبق من فارسكِ

إلا بقايا صعلوك شريد

ظن أنه قهر طروادة

وفلق أمواج بحر ظلماتها

فسقطت أحجارها

على رأسه

وهشمت عظام جسده

وأحرقت قلبه الصلد حمم

بحرها المسجور

كيف تعرفتِ عليه

رغم فشله في أن يشد قوسه

ويرمي سهامه ليصرع عشاقكِ

ألم تكن تلك نبوءة عودته

لكنكِ بينيلوبي المخلصة

لا تحتاجين نبوءة لتؤمني به

ولا آية تدلكِ عليه

ولم تكفري يوماً بعودته

عاد اليكِ بجسده الممزق

فقبلتيه في كل موضع جرحٍ

ورضيتِ به كهلاً لتعلمينه

أحرف الحب من جديد

تلقنيه كلمات العشق

ويحاول مثأثـئاً ترديدها

فيفشل ويمنعه الخجل تكرارها

وكأمه تقبلينه وتضمينه

ضاحكة بعطف على فشله

وكطفلكِ يحبو فوق خجله

ويكررها مثأثـئاً لتعاودي الضحك

ويري النقاء في عينيكِ

ثم تصلين من أجله

هو لازال متعلقاً بطهركِ

وأنتِ لازلتِ متعلقة

ببقايا أسطورته

لكنكِ كلما عاودتِ المحاولة

لتنسجي ثوب حبكما

عاد كطفل أهوج

اعتاد تحطيم لعبته

فيحل كل ما نسجتِ من خيوطٍِ

لتعيدي كل يوم بصبر أم

غزله ونسجه

وحياكته من جديد


أيسر حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق