اخر الاخبار


الأحد، 19 يوليو 2020

طفولة مسروقة -الكاتبة لميس الصمدى



قصة طفولة مسروقة


في زقاق شوارع مدينة (حمص) التي كانت يوما ما ثالث كبرى مدن ( سوريا ) بعد دمشق و حلب نشأ فيها الطفل (محمد) البالغ من العمر ثلاثة عشرة سنة و في كل يوم من إجازته المدرسية يذهب مع أصدقائه و يمارس هوايته المفضلة و هي (ركوب الدراجة الهوائية).

وبينما هم يركضون و يتسابقون فإذا بغارة جوِّية تستهدف الحي الذي يقطنونه كان الموقف بالنسبة لهم فاجعة أصابت أفئدتهم ذعرًا.

توجه كل واحد منهم صوب منزله، و إذا بمحمد يصرخ:(ياويلتاه أُّمَّاهْ أبتاه أختاه!!) هرول،بسرعة ودخان أتربة بعض البنايات المتساقطة متصاعدة في الأفق، و جثث الأبرياء متناثرة متفحمة و في كل مكان صراخ و عويل يدوي يصم الأذان.

لم ينتبه محمد لجرح يده، كان الشيء الوحيد الذي يفكر فيه أن تكون عائلته بخير، وصل منزله منهك يكاد يختنق من الدخان كان الوضع مأساوي بالنسبة له حين رأى المبنى الذي يسكن فيه منهار بالكامل و أصبح ركامٌ من الحجارة.

قفز كالمجنون بجسده الصغير يرتجف يبحث عن والديه و أخته نهى تحت الأنقاض، يناديهم في حالة فزع هستيرية.

مسك بيده رجل من عمال الإنقاذ والإغاثة يبكي والألم يعصر قلبه حضنه وقال له:( هوِّن عليك يا بني إنهم شهداء عند الله أحياء ) ثم مسح له وجهه وضمد جرح يده.

سكت ثم قال محمد بغضب:( ليتني استشهدت معهم!! لما هذا العنف الذي يشتت الشمل يمزق المجتمع ويبدد أمل السلام، فما عاد لي ظهر يسندني، وطن يداوي جراحي...أنا الآن أصبحت يتيمًا ضائعًا مشرَّدًا لا أحد معي..)

قال له رجل الإنقاذ: ( لا تحزن إن الله معك، ستفرج ) لم يرد عليه بل نظر إليه محمد و عينيه مليئة بالدموع.

((للأسف الشديد أقارب محمد استشهدوا معظمهم في الحرب))

التحق محمد بمخيم اللاجئين للعيش هناك، كان منطوي على ذاته صامت طوال الوقت، حاولت المرشدة جواهر مساعدته شفقة على حالته النفسية المتدهورة، فهو شارد الدهن يرفض أكل الطعام، مما اضطرها استدعاء الدكتور مصطفى لمعاينته و التحدث معه قليلا من أجل رفع معنوياته وطمأنته فقال له: ( ماذا بك يا محمد؟ إنه قضاء الله وقدره وأنت بطل على الأهوال صبور فلا حزن يدوم ولا سرور)...

صمت .... وصمت.... وصمت ثم قال بصوته الطفولي المبحوح: ( لقد قتلوا الرجل الذي لن يتكرر في حياتي أبي، و أمي نبع الحنان و ملاكي الصغير أختي الرضيعة نهى، كيف أنسى جحيم القذائف التي دمرت أحلامي و آمالي؟)

رد عليه الدكتور مصطفى:( اهدأ يابني قدر الله ماشاء فعل، أهلك شهداء و أنت الحاضر و المستقبل) ثم قبَّل جبينه و ذهب عند المرشدة جواهر لإعطائها وصفة الدَّواء التي كانت عبارة عن فيتامين ومهدأ بسيط للإكتئاب.

بعد شهور تقريبا بدأت حالته تتحسن شيئا فشيئا بفضل إهتمام المرشدة جواهر به ومعاملتها الطيبة مع جميع اللاجئين الصغار في المخيم.

أصبح الطفل محمد يَدَ العون للمرشدة جواهر و لديه الثقة في مواجهة تحديات الحياة، يرسم الضحكة على وجوه الصَّغار كأنه الأخ الأكبر لهم، يخفِّفُ عنهم آلامهم و افتقادهم للعاطفة و الحرمان الأسري، لكي يعبِّرون عن ذواتهم و يفصحون عن مشاعرهم الإيجابية و السلبية.

فما أقبح الحرب لأنها دمارٌ و شتاتٌ للبشر..

من قلمي
ل م ي س

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق