بينما كنتُ أسير اليوم بجوار محطة قطار"سيدي جابر"، فإذا بي أجد شابًا يَجلسُ علي الأرض، وبجانبه بعض الكتب، وكما يعلم من يَعرفُني أنني رجُل يتودد إلى الكتب وتتودد هي أيضًا لي، فإذا بي أنظر في هذه الكتب وأقلبها لعلي أجد ما يجذبني فأقتنيه.
فإذا بهذا الشاب يقول لي: إن هذه الكتب من تأليفي وأنا أبيعها!، صُدمت في البداية، ولكنه لما أكمل الحديث صدمت أكثر وأكثر!
قال لي أنه لم يتعلم القراءة والكتابة، وأنه كان يجلس بجانب المدارس حتى يتعلم من هذا وذاك، وأنه واصل هذا الأمر حتى أصبح كاتبًا وشاعرًا!
ولاحظت أنه يمسك لوحة مكتوب عليها(ساعدوني وأشتروا مؤلفاتي)
ثم سألني أن أصور له (فيديو) وهو يُلقي بعضًا من قصائده، وأن أضعه على صفحتي في face book ففعلت هذا وأنا مسرور، وأشتريت منه كتابًا وذهبت.
أرى أن هذا الشاب أفضل مني!، وأنني أجد في محادثتي والتقاط بعض الصور معه شرفًا كبيرًا لأمثالي، لأن هذا الشاب لم يَمتلكُ ما أمتلكهُ أنا وغيري من رفاهية التعليم والتثقيف، ومن الوقت الذي لابد أن يستعمل في تطوير هذه المَلَكة، كما أنه ليس بالغني الذي يحمل المال فيأخذ بعض الدورات التي تنمي هذه الموهبة، ولكن أكثر شيء جعلني عاجزًا ومطأطأ الرأس أمامه، هو كونه يحتاج إلى المال الذي يطعم معدته به ويقوم به صلبه، ومع ذلك فإنه ترك بطنه تضرب بمطارقها في نفسه، وذهب نحو شغفه وبدأ يكتب ويكتب حتى وجد من ينشر له هذا الفن الذي نثره بقلبه لا بقلمه.
وصدقني، فإنني لا أشتري كتابًا هكذا أعتباطًا، ولكنني أحسست أنني لا أشتري كتاب يُنظر له بنظرة الكتب العادية، بل إنني كنت أشتري تاريخ وجهد مضني بذله هذا الشاب حتى خرجت لنا هذه الكتب، وكما قلت فإنني هنا لا أقيم مُنتج فني على وجه الفن الذي يَفهمهُ البشر، ولكنني أُقيم هنا الفن الروحي الذي أرسله لي هذا الشاب عبر ابتسامتهُ البريئة التي سحرتني، ونظرته التي تُوحي بالرضا التام على ما هو فيه، وصوتهُ اللطيف الذي تشكل في تلك الجملة التي قالها لي عندما سألته عن تلك الكتب حيث قال: "إنها كتبي"، أحسست في نغمات تلك الجملة بالفرحة التي غمرتني عندما صدر لي أول كتاب.
علمتُ بعدها أنه قد استضيف في بعض البرامج، وأنه معروف في الوسط الثقافي السكندري وغيره، وأنه يحمل لقب يعرف به ألا وهو "بائع البهجة".
ولقد ابتهجت برؤية هذا الشاب الكاتب(رمضان محمد أبراهيم)، وأرجو من الرب سبحانه وبحمده أن يحوطه بحفظهِ وأن يُسدل عليه من كرمه ولطفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق