الدجالُ .. بين .. الحقيقةِ والوهمِ .. الجزء الثانى
مِنَ المعلومِ بالضرورةِ ، أن العدوَّ الذى عانتْ منهُ أمتُنا ردحاً مِنَ الزمانِ وكابَدَتْ ، إنما هو الغربُ عموماً ، مضافاً إليه حديثاً الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، ثم أحدثَ منها تلك الدويلةُ المزروعةُ هى فى منطقتِنا ، وتحملُ ـ زوراً وبهتاناً ـ اسمَ إسرائيل ، بينما إسرائيلُ ( وهو نبيُ اللهِ يعقوبُ ) بريئٌ منها كما بَرَّأ هو نفسُهُ الذئبَ مِنْ دمِ إبنِهِ يوسفَ عليهما السلام .. غيرَ أن هؤلاءِ الأعداءِ ماهم إلاَّ العدوَ الظاهرَ وحسبْ ، وإنْ هم إلاَّ الذراعَ الطولى لجسدٍ وكيانٍ آخرَ خَفِىٍّ .
ونحنُ حينما نتكلمُ عن " الدجالِ " ، فإنما نكونُ بذلك قد هَدْفْنَا صراحةً ، إلى تحديدِ العدو الخفى الحقيقى لهذهِ الأمةِ بدقةٍ بالغةٍ .. لأن عقيدتنا قد بُنَيَتْ كما أوضحنا ـ فى غيرِ ذاتِ مرةٍ ـ منذُ مقالِنا " مملكةُ الغربانِ " فصاعداً ، أن البشريةَ جميعَها ماهى إلاَّ ألعوبةً فى يدِ الشيطانِ ، مصداقاً لقولِ ربِنا الكريمِ حيثُ قالَ تعالى وقولُه الحق :
{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِى آَدَمَ أَنْ لَّاتَعْبُدُواْ اْلشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اْعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } الأيات 60 ـ 62 من سورةِ يس .
والخطابُ فى الأياتِ الكريمةِ ، إنما هو خطابٌ للبشريةِ جميعاً وليس للمؤمنين وحسب ، كما أنها تدلُ فى ختامِها على مانقولُ ، من أن البشريةَ جميعاً أُلْعُوبَةٌ هى فى يدِ الشيطانِ ، وأنه قد أضلَّ من البشرِ خلقاً كثيراً ، وأنه عدوٌ لها مُبين .. ومن ثَمَّ ، فإن عقيدتَنا فى كونِ الغربَ والولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ وإسرائيلَ ماهم إلاَّ أُلعُوبةً فى يدِ عدوٍ خفى ، قد بُنَيَتْ على أساسٍ متينٍ مِنْ قولٍ هو الفَصْلُ وليسَ بالهزلِ ، وكما ستدلُ عليهِ أيضاً أياتُ كثيرةٌ سوف نورِدُها تباعاً بإذنِ الله . ( يُرجى الرجوعَ فى هذا الصددِ ، إلى مقالِنا " الشيطانُ عدواً " لِما فيهِ من الكفايةِ للتدليلِ على هذهِ النقطةِ ، وأيضاً " مملكةُ الغِربانِ " لِما أقمنا فيهِ الدليلَ على الطِيبَةِ التى فُطِرَتْ عليها البشريةُ ، الممتدةُ هى إلى أبيها آدمَ وليس من سبيلٍ لتغييرِ تلك الفطرةَ الطيبةِ إلا بتدخُلٍ من الشيطانِ الرجيم ) .
غيرَ أنه قد يقولُ قائلٌ .. مالنا نحنُ والعدو الخفى هذا مادامَ هو خفى ، فلنتعامل مع مَنْ هو ظاهرٌ لنا فى عداوتِهِ وحسب ..
إلاَّ أننا نؤكدُ ، أن معرفةَ العدو الخفى وحيثياتِهِ ، ومعرفةِ طريقتِهِ ومَنهجِهِ وهدفِهِ فى توجِيهِ الطعناتِ إلينا ، من شأنِهِ تغييرِ قواعدَ اللُعبةِ فى المواجهةِ ، بل وتغييرِ الأصولِ العلميةِ الخاطئةِ فى بناء الفكرِ الإستراتيجى للأمةِ ، وهذا مانهدفُ إليهِ بكلِ صراحةٍ فى هذا المشروعِ الفكرى ، ثم أن ذلك مِنْ شأنِهِ ، رفعَ اللبسَ والغُموضَ بإزاحةِ الستارَ عن فتنةٍ تنتظرها الأمةُ منذُ مهدها ، بينما هى ومنذُ مهدها أيضاً ، غارقةٌ فيها كماقلتُ آنِفاً ، ولسوفَ نسوقُ الأدلةَ تباعاً على ذلك بمشيئةِ ربى .
وفى الحقيقةِ ، هناك هاجسٌ كبيرٌ لدى قطاعٍ ممن لديهم فراسةً فى أمتِنا ، يرون أن الدجالَ قابعٌ ومُخَبَّأٌ فى أمريكا ، وأنه أوشكَ على الخروجِ بالكيفيةِ التى نصتْ عليها الرواياتُ المختلفةُ ، كما أن هناك مَنْ يرى أن المسيحَ الدجالَ ، ليس إلاَّ الحضارةَ العلميةَ الماديةَ ، وأخذوا يفسروا عَوَرَهُ بِعَوَرِها هى ، لخلوها من الروحِ ولكونها حضارةً ماديةً صِرْفاً ، وعلى رأسِ هذا الاتجاه الكاتب البولندى " ليوبولد فايس " الذى أسلمَ وتسمى باسم " محمد أسد " وعاش بمكةٍ ، كما أشار إليهِ الدكتور مصطفى محمود رحمهُ اللهُ ، غير أننا قد سبق ورفضنا أن تكونَ الحضارةُ العلميةُ هى ذاتَها شخصُ الدجالِ ، وإنما فقط هى مِنْ فِعلِهِ ، وأنها وسائِلُه وأدواتُهُ فى بعضِ الفتنةِ كما سنبينُ لاحقاً .. ونحنُ نعتقدُ اعتقاداً وثيقاً ، أن أجهزةَ المخابراتِ العامةِ فى الأمةِ لايخفى عليها أمرُه ، وكذلك مخابراتِ العالَمِ كلِهِ ، غيرَ أن العقيدةَ فيهِ تختلفُ بيننا كأمةٍ وبينهم ، لما عندنا نحنُ من موروثٍ ثقافىٍ وتراثٍ فكرى .. فقد خرجَ علينا ذاتَ يومٍ رئيسُ وزراءِ كندا فى مؤتمرٍ صحفىٍ ، ليُعلنَ فيهِ على العالَم ،ِ أن الولاياتَ المتحدةَ الأمريكيةَ قد ألقتْ القبضَ على إثنينِ من الكائناتِ الفضائيةِ أثناءَ الحربَ العالَميةَ الثانيةَ ، وأنهما الأن يساعداها فى إحكامِ قبضتها على العالَمِ !.. ومن عجيبٍ أيضاً ، أن ذاتَ الكلامَ نفسُهُ قد خرجَ فى شكلِ تقريرٍ مخابراتِّىٍ من روسيا !!.
ومامن شكٍ ، أن الذى يسمونه هم كائناتٍ فضائيةٍ ، هو هو مَنْ نُسميه نحنُ " المسيح الدجال " ، ذلك الأعور الذى تنتظرُه الأمة !!.
ويبدو لى ، أن الذى جعلهم يظنونه كائناً فضائياً ، هو مالمسوهُ فيهِ من تطورٍ علمىٍ يفوقُ بمسافاتٍ شاسعةٍ قدراتَ البشرِ ، و قد لايخونُ التعبيرُ دقةً ولا بلاغةً لوقلنا : بل هى مسافاتٍ " هائلةٍ ومخيفةٍ ومرعبةٍ " ، فقط لو نظرنا إلى حضارتِهِ الماديةِ هذه بمنظورِ مَنْ عاشَ فى العصورِ الوسطى ، وليس بمنظورِ من تَعَوَّدَ عليها وأصبحَ كلُ شئٍ عندهُ أمراً عادياً ، ولا يخفى علينا نحنُ المسلمونَ أننا نعتقدُ فيهِ ذلكَ أيضاً ، غير أننا نُرجِعُه إلى منحِ الله تعالى له تلكَ القدراتِ ، وأنها ليستْ ذاتيةً فيهِ على خلفيةِ ماورد إلينا من تراثٍ بشأنِهِ .. وهو بالفعلِ كذلك كما سنبينُ لاحقاً مع إقامةِ الدليلِ عليه .
ونحنُ ، وإنْ كنا لا نقبلُ التكهُنَ متجرداً هو عن أى دليلٍ فيما يخصُ إقامةِ الدجالِ فى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، إلاَّ أننا لانرفُضُهُ رفضاً باتاً ولا نقبلُهُ أيضاً قبولاً جازماً ، غير أن الذى نجزمُ بهِ حقاً ، ونحسمُهُ حسماً يقينياً ، هو كونِه موجوداً حراً طليقاً ، وأنه ليس مقيداً فى سلاسلٍ فى إحدى الجُزُرِ كما تقولُ الرواياتُ ، ولا أنه منتظراَ لنخلِ بيسانَ ألاَّ يُثمرَ ، ولا لجفافِ بحيرة طبريةِ حتى يخرجَ علينا بجنتِهِ ونارِهِ !!؟ .. فذلك ، إنما هو الجانبُ الوهمى فى حقيقةِ هذا الدجالِ ، والحقيقةُ أنه موجودٌ ويعمل ، ولم يكن فى يومٍ من الأيامِ مسلسلاً أو محبوساً .. و أن حقيقةَ وجودِه قد يدلُ عليهِ قولٌ " لجولد مائير " فى كتابها المعنون باسم " حياتى " الذى نشرتْ فيهِ مذكراتها ، وهو فى الحقيقةِ قولٌ بَلَغَ منَ الخطورةِ والأهميةِ بمكانٍ لايبلُغُهُ قولٌ آخرَ لها فى ذلك الكتابِ ، ولا فى تصريحاتها العمليةِ طيلةَ عملِها السياسى ، رغم كل ماكتبته أو صرحت بهِ مهمٌ هو للغايةِ وخطير ، ويمكن لنا نحنُ العربُ الاستفادةَ منه لو أن لنا أعْيُنَاً ليست عُمياً ، أو آذاناً ليست صُماً ، أو كانت لنا قلوبٌ ذاتَ بصيرةٍ ، ولكن للأسف نحنُ فقراءٌ جداً فى امتلاكِ كلَ تلكَ القدراتِ ، فماذا قالتْ السيدة جولد ؟.
قالتْ رئيسةُ وزراءِ إسرائيل جولد مائير ، فى معرضِ حديثها عن المفاوضاتِ التى كانتْ حول الكيلو 101 ، بينَ مصرَ وإسرائيلَ فى أعقابِ انتهاءِ حربَ اكتوبرَ ـ رمضانَ المجيدةَ 1973م :
" وبقى الأمل يراودنا فى إيجاد حل سياسى بشكل من الأشكال . فمن المؤكد أن المسيح المخلص لم يقطع هذا الطريق الطويل حتى الكيلو 101 ثم تكاسل عن مواصلته " . هذا هو قولُ جولد مائير .. إنها تتكلمُ عن ( المسيح المُخَلِّصْ ) الذى كانوا ينتظرونه آخِرَ الزمانِ ، وهاهى توحِي بأن آخِرَ زمانِها قد جاء ، وأن الرَبَّ المُخَلِّصَ لليهودِ موجودٌ ويعملَ ، ليحكمَ بهم العالَمَ كلُ العالَمِ .. ذلك الذى يسمونه هم المسيح المُخَلِّصْ ، ليس إلاَّ هو هو عينه ، مَنْ نسميه نحن المسلمونَ " المسيح الدجال " .
لم يكن ذاتَ المعنى خافياً فى تصريح بوش الإبن ، ولا هو بمنفكِ الصلةِ عما جاءتْ بهِ جولد مائير ، حين صرح بعد أحداثِ سبتمبر وقبل غزوِه أفغانستانَ والعراقَ قائلاً .. ( إن الرَبَّ قد بعثنى لأخوضُ حرباً صليبيةً جديدةً ) !! ، أو قال " أرسلنى " .
نعم ، إن ربَّهُ قد بعثَهُ ـ أو قال أرسله ـ ليخوضَ حرباً صليبيةً جديدةً .. طبعاً لم يكن يقصد السيد بوش ربَّ السماواتِ والأرضِ الذى فى السماءِ والذى هو مالكٌ يوم الدين ، وإنما كان قصدُهُ هو هو عين ماقصدتْ إليهِ سالِفتُهُ " رئيسةُ وزراءِ إسرائيل " . ولو كان قصدُهُ ( اللهَ ) سبحانَهُ وتعالى لكان مجنوناً ، ولكن بوش أبدأً لم يكن رجلاً مجنوناً ، كما لم يكن اللاحقَ له " ترامب " كذلك ، ولا حتى نظرائِهم فى دولةِ إسرائيل ، بلِ المجنونُ بحقٍ هو مَنْ ينعتُهُم بالجنونِ مِنْ أمتِنَا المليئةُ هى بالمخابيل !. فهم يعونَ تماماً مايقولونَ ويفعلون . ولا يقولونَ ولا يفعلون من عندِ أنفُسِهم شيئاً ، لأن هؤلاءِ سواءٌ كان بوش أو ترامب أو أىٍّ مَنْ كان على شاكِلَتِهم ، ليسوا إلاَّ مُنفذينَ مَهَرَةً لأجنداتٍ ( دجاليةٍ ) ، يرسمُها ويخطُها " شيطانٌ مريدٌ " اعتبروهُ لهم ربَّاً .
قد يكون كلُ ماجاءَ فى هذا المقالِ بِرُمَّتِهِ ، دائرٌ هو بينَ الحقيقةِ والوهمِ ، وبين اليقينِ والشكِ فى حقيقةِ الدجالِ وأمرِه ، فأين هو الجَزْمُ فى تلكمُ الحقيقةِ وفقَ الحقُ المبينُ ، الذى لا نرى لهُ طريقاً غيرَ طريقَ اللهِ عزَّ وجلّ ،َ عَبْرَ رسائِلِهِ لنا فى كتابِهِ الكريمِ ، وغفلتْ عنها الأمةُ كما أسلفنا وقلنا ؟.. عموماً لم تزل لنا ـ بإذنِ اللهِ تعالى ومشيئتِهِ ـ بقيةٌ مِنْ حديث .
ونحنُ حينما نتكلمُ عن " الدجالِ " ، فإنما نكونُ بذلك قد هَدْفْنَا صراحةً ، إلى تحديدِ العدو الخفى الحقيقى لهذهِ الأمةِ بدقةٍ بالغةٍ .. لأن عقيدتنا قد بُنَيَتْ كما أوضحنا ـ فى غيرِ ذاتِ مرةٍ ـ منذُ مقالِنا " مملكةُ الغربانِ " فصاعداً ، أن البشريةَ جميعَها ماهى إلاَّ ألعوبةً فى يدِ الشيطانِ ، مصداقاً لقولِ ربِنا الكريمِ حيثُ قالَ تعالى وقولُه الحق :
{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِى آَدَمَ أَنْ لَّاتَعْبُدُواْ اْلشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اْعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } الأيات 60 ـ 62 من سورةِ يس .
والخطابُ فى الأياتِ الكريمةِ ، إنما هو خطابٌ للبشريةِ جميعاً وليس للمؤمنين وحسب ، كما أنها تدلُ فى ختامِها على مانقولُ ، من أن البشريةَ جميعاً أُلْعُوبَةٌ هى فى يدِ الشيطانِ ، وأنه قد أضلَّ من البشرِ خلقاً كثيراً ، وأنه عدوٌ لها مُبين .. ومن ثَمَّ ، فإن عقيدتَنا فى كونِ الغربَ والولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ وإسرائيلَ ماهم إلاَّ أُلعُوبةً فى يدِ عدوٍ خفى ، قد بُنَيَتْ على أساسٍ متينٍ مِنْ قولٍ هو الفَصْلُ وليسَ بالهزلِ ، وكما ستدلُ عليهِ أيضاً أياتُ كثيرةٌ سوف نورِدُها تباعاً بإذنِ الله . ( يُرجى الرجوعَ فى هذا الصددِ ، إلى مقالِنا " الشيطانُ عدواً " لِما فيهِ من الكفايةِ للتدليلِ على هذهِ النقطةِ ، وأيضاً " مملكةُ الغِربانِ " لِما أقمنا فيهِ الدليلَ على الطِيبَةِ التى فُطِرَتْ عليها البشريةُ ، الممتدةُ هى إلى أبيها آدمَ وليس من سبيلٍ لتغييرِ تلك الفطرةَ الطيبةِ إلا بتدخُلٍ من الشيطانِ الرجيم ) .
غيرَ أنه قد يقولُ قائلٌ .. مالنا نحنُ والعدو الخفى هذا مادامَ هو خفى ، فلنتعامل مع مَنْ هو ظاهرٌ لنا فى عداوتِهِ وحسب ..
إلاَّ أننا نؤكدُ ، أن معرفةَ العدو الخفى وحيثياتِهِ ، ومعرفةِ طريقتِهِ ومَنهجِهِ وهدفِهِ فى توجِيهِ الطعناتِ إلينا ، من شأنِهِ تغييرِ قواعدَ اللُعبةِ فى المواجهةِ ، بل وتغييرِ الأصولِ العلميةِ الخاطئةِ فى بناء الفكرِ الإستراتيجى للأمةِ ، وهذا مانهدفُ إليهِ بكلِ صراحةٍ فى هذا المشروعِ الفكرى ، ثم أن ذلك مِنْ شأنِهِ ، رفعَ اللبسَ والغُموضَ بإزاحةِ الستارَ عن فتنةٍ تنتظرها الأمةُ منذُ مهدها ، بينما هى ومنذُ مهدها أيضاً ، غارقةٌ فيها كماقلتُ آنِفاً ، ولسوفَ نسوقُ الأدلةَ تباعاً على ذلك بمشيئةِ ربى .
وفى الحقيقةِ ، هناك هاجسٌ كبيرٌ لدى قطاعٍ ممن لديهم فراسةً فى أمتِنا ، يرون أن الدجالَ قابعٌ ومُخَبَّأٌ فى أمريكا ، وأنه أوشكَ على الخروجِ بالكيفيةِ التى نصتْ عليها الرواياتُ المختلفةُ ، كما أن هناك مَنْ يرى أن المسيحَ الدجالَ ، ليس إلاَّ الحضارةَ العلميةَ الماديةَ ، وأخذوا يفسروا عَوَرَهُ بِعَوَرِها هى ، لخلوها من الروحِ ولكونها حضارةً ماديةً صِرْفاً ، وعلى رأسِ هذا الاتجاه الكاتب البولندى " ليوبولد فايس " الذى أسلمَ وتسمى باسم " محمد أسد " وعاش بمكةٍ ، كما أشار إليهِ الدكتور مصطفى محمود رحمهُ اللهُ ، غير أننا قد سبق ورفضنا أن تكونَ الحضارةُ العلميةُ هى ذاتَها شخصُ الدجالِ ، وإنما فقط هى مِنْ فِعلِهِ ، وأنها وسائِلُه وأدواتُهُ فى بعضِ الفتنةِ كما سنبينُ لاحقاً .. ونحنُ نعتقدُ اعتقاداً وثيقاً ، أن أجهزةَ المخابراتِ العامةِ فى الأمةِ لايخفى عليها أمرُه ، وكذلك مخابراتِ العالَمِ كلِهِ ، غيرَ أن العقيدةَ فيهِ تختلفُ بيننا كأمةٍ وبينهم ، لما عندنا نحنُ من موروثٍ ثقافىٍ وتراثٍ فكرى .. فقد خرجَ علينا ذاتَ يومٍ رئيسُ وزراءِ كندا فى مؤتمرٍ صحفىٍ ، ليُعلنَ فيهِ على العالَم ،ِ أن الولاياتَ المتحدةَ الأمريكيةَ قد ألقتْ القبضَ على إثنينِ من الكائناتِ الفضائيةِ أثناءَ الحربَ العالَميةَ الثانيةَ ، وأنهما الأن يساعداها فى إحكامِ قبضتها على العالَمِ !.. ومن عجيبٍ أيضاً ، أن ذاتَ الكلامَ نفسُهُ قد خرجَ فى شكلِ تقريرٍ مخابراتِّىٍ من روسيا !!.
ومامن شكٍ ، أن الذى يسمونه هم كائناتٍ فضائيةٍ ، هو هو مَنْ نُسميه نحنُ " المسيح الدجال " ، ذلك الأعور الذى تنتظرُه الأمة !!.
ويبدو لى ، أن الذى جعلهم يظنونه كائناً فضائياً ، هو مالمسوهُ فيهِ من تطورٍ علمىٍ يفوقُ بمسافاتٍ شاسعةٍ قدراتَ البشرِ ، و قد لايخونُ التعبيرُ دقةً ولا بلاغةً لوقلنا : بل هى مسافاتٍ " هائلةٍ ومخيفةٍ ومرعبةٍ " ، فقط لو نظرنا إلى حضارتِهِ الماديةِ هذه بمنظورِ مَنْ عاشَ فى العصورِ الوسطى ، وليس بمنظورِ من تَعَوَّدَ عليها وأصبحَ كلُ شئٍ عندهُ أمراً عادياً ، ولا يخفى علينا نحنُ المسلمونَ أننا نعتقدُ فيهِ ذلكَ أيضاً ، غير أننا نُرجِعُه إلى منحِ الله تعالى له تلكَ القدراتِ ، وأنها ليستْ ذاتيةً فيهِ على خلفيةِ ماورد إلينا من تراثٍ بشأنِهِ .. وهو بالفعلِ كذلك كما سنبينُ لاحقاً مع إقامةِ الدليلِ عليه .
ونحنُ ، وإنْ كنا لا نقبلُ التكهُنَ متجرداً هو عن أى دليلٍ فيما يخصُ إقامةِ الدجالِ فى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ ، إلاَّ أننا لانرفُضُهُ رفضاً باتاً ولا نقبلُهُ أيضاً قبولاً جازماً ، غير أن الذى نجزمُ بهِ حقاً ، ونحسمُهُ حسماً يقينياً ، هو كونِه موجوداً حراً طليقاً ، وأنه ليس مقيداً فى سلاسلٍ فى إحدى الجُزُرِ كما تقولُ الرواياتُ ، ولا أنه منتظراَ لنخلِ بيسانَ ألاَّ يُثمرَ ، ولا لجفافِ بحيرة طبريةِ حتى يخرجَ علينا بجنتِهِ ونارِهِ !!؟ .. فذلك ، إنما هو الجانبُ الوهمى فى حقيقةِ هذا الدجالِ ، والحقيقةُ أنه موجودٌ ويعمل ، ولم يكن فى يومٍ من الأيامِ مسلسلاً أو محبوساً .. و أن حقيقةَ وجودِه قد يدلُ عليهِ قولٌ " لجولد مائير " فى كتابها المعنون باسم " حياتى " الذى نشرتْ فيهِ مذكراتها ، وهو فى الحقيقةِ قولٌ بَلَغَ منَ الخطورةِ والأهميةِ بمكانٍ لايبلُغُهُ قولٌ آخرَ لها فى ذلك الكتابِ ، ولا فى تصريحاتها العمليةِ طيلةَ عملِها السياسى ، رغم كل ماكتبته أو صرحت بهِ مهمٌ هو للغايةِ وخطير ، ويمكن لنا نحنُ العربُ الاستفادةَ منه لو أن لنا أعْيُنَاً ليست عُمياً ، أو آذاناً ليست صُماً ، أو كانت لنا قلوبٌ ذاتَ بصيرةٍ ، ولكن للأسف نحنُ فقراءٌ جداً فى امتلاكِ كلَ تلكَ القدراتِ ، فماذا قالتْ السيدة جولد ؟.
قالتْ رئيسةُ وزراءِ إسرائيل جولد مائير ، فى معرضِ حديثها عن المفاوضاتِ التى كانتْ حول الكيلو 101 ، بينَ مصرَ وإسرائيلَ فى أعقابِ انتهاءِ حربَ اكتوبرَ ـ رمضانَ المجيدةَ 1973م :
" وبقى الأمل يراودنا فى إيجاد حل سياسى بشكل من الأشكال . فمن المؤكد أن المسيح المخلص لم يقطع هذا الطريق الطويل حتى الكيلو 101 ثم تكاسل عن مواصلته " . هذا هو قولُ جولد مائير .. إنها تتكلمُ عن ( المسيح المُخَلِّصْ ) الذى كانوا ينتظرونه آخِرَ الزمانِ ، وهاهى توحِي بأن آخِرَ زمانِها قد جاء ، وأن الرَبَّ المُخَلِّصَ لليهودِ موجودٌ ويعملَ ، ليحكمَ بهم العالَمَ كلُ العالَمِ .. ذلك الذى يسمونه هم المسيح المُخَلِّصْ ، ليس إلاَّ هو هو عينه ، مَنْ نسميه نحن المسلمونَ " المسيح الدجال " .
لم يكن ذاتَ المعنى خافياً فى تصريح بوش الإبن ، ولا هو بمنفكِ الصلةِ عما جاءتْ بهِ جولد مائير ، حين صرح بعد أحداثِ سبتمبر وقبل غزوِه أفغانستانَ والعراقَ قائلاً .. ( إن الرَبَّ قد بعثنى لأخوضُ حرباً صليبيةً جديدةً ) !! ، أو قال " أرسلنى " .
نعم ، إن ربَّهُ قد بعثَهُ ـ أو قال أرسله ـ ليخوضَ حرباً صليبيةً جديدةً .. طبعاً لم يكن يقصد السيد بوش ربَّ السماواتِ والأرضِ الذى فى السماءِ والذى هو مالكٌ يوم الدين ، وإنما كان قصدُهُ هو هو عين ماقصدتْ إليهِ سالِفتُهُ " رئيسةُ وزراءِ إسرائيل " . ولو كان قصدُهُ ( اللهَ ) سبحانَهُ وتعالى لكان مجنوناً ، ولكن بوش أبدأً لم يكن رجلاً مجنوناً ، كما لم يكن اللاحقَ له " ترامب " كذلك ، ولا حتى نظرائِهم فى دولةِ إسرائيل ، بلِ المجنونُ بحقٍ هو مَنْ ينعتُهُم بالجنونِ مِنْ أمتِنَا المليئةُ هى بالمخابيل !. فهم يعونَ تماماً مايقولونَ ويفعلون . ولا يقولونَ ولا يفعلون من عندِ أنفُسِهم شيئاً ، لأن هؤلاءِ سواءٌ كان بوش أو ترامب أو أىٍّ مَنْ كان على شاكِلَتِهم ، ليسوا إلاَّ مُنفذينَ مَهَرَةً لأجنداتٍ ( دجاليةٍ ) ، يرسمُها ويخطُها " شيطانٌ مريدٌ " اعتبروهُ لهم ربَّاً .
قد يكون كلُ ماجاءَ فى هذا المقالِ بِرُمَّتِهِ ، دائرٌ هو بينَ الحقيقةِ والوهمِ ، وبين اليقينِ والشكِ فى حقيقةِ الدجالِ وأمرِه ، فأين هو الجَزْمُ فى تلكمُ الحقيقةِ وفقَ الحقُ المبينُ ، الذى لا نرى لهُ طريقاً غيرَ طريقَ اللهِ عزَّ وجلّ ،َ عَبْرَ رسائِلِهِ لنا فى كتابِهِ الكريمِ ، وغفلتْ عنها الأمةُ كما أسلفنا وقلنا ؟.. عموماً لم تزل لنا ـ بإذنِ اللهِ تعالى ومشيئتِهِ ـ بقيةٌ مِنْ حديث .
ياسرشلبى محمود
كاتبٌ ومفكر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق