من ديوان سيزيف ترنيمة الخلد
غيمة غربة
سيد فاروق
رَامَ سِزِيفُ الْوَاهِمُ خُلْدًاحَتَّى اسْتَغْرَقَ فِي التَّفْكِيرِ
شَتَاتَ الْعَقْلِ
دَهَاءَ الْفِكْرَهْ
عَاشَ الْعُزْلَةَ فِي الْأَنْوَاءِ
يُصَارِعُ حُكْمَ السِّجْنِ وَحِيدًا
رَاحَ يُدَوِّنُ مَكْرَ الخُطَّهْ
جَزَّ الْمَوْتَ بِوَادِي النَّارِ
وَقَيَّدَ فِي الْأَلْوَاحِ حَيَاةً
حِينَ اخْتَبَرَ الْمَوْتُ الْقَيْدَ
فَأَحْكَمَ غَلْقَهْ
دَفَعَ الْجِزْيَةَ ثَمَنَ الْمَكْرِ
ضَرِيبَةَ عَقْلٍ عَاثَ فَسَادًا
حَمَلَ الصَّخْرَةَ وَالْأَوْزَارَ
ذُنُوبًا تَتْرَا
رَاحَ يُجَرْجِرُ تِلْكَ الصَّخْرَهْ
ثَقُلَ الْحِمْلُ فَمَنْ سَيُقَاوِمُ
سَيْفَ الْقَدَرِ الشَّاطِرَ صَخْرًا
وَالْمَشْطُورُ ضَعِيفٌ جِدًّا
خَارَ الْجَبَلُ الرَّاسِخُ طَوْعًا
فَجْأَةَ صَدَمَهْ
إنَّ سِزيفَ الْآنَ حُطَامٌ
رَاحَ يُجَمِّعُ
مِنْ أَوْهَانِ الْكَوْنِ قُوَاهُ
هَذَا الْجَبَلُ الصَّامِدُ تَحْتَهُ
حِينَ رَآهُ غَضَّ الْبَصَرَ
وَرَاحَ يُرَاقِبُ
وَقْعَ السَّمْعِ وَيَسْأَلُ نَفْسَهُ
كَيْفَ سِزِيفُ سَيَصْعَدُ تَلَّهْ؟!
هَذَا جَزَاءُ الْمَكْرِ فَحَاذِرْ
سَاوِمْ كُلَّ خُطُوطِ الْهَجْرِ
بِدَرْبِ زَمَانِكَ
هَاجِرْ خَلْفَ الطَّوْدِ بِذَاتِكَ
وَامْكُثْ فِي صَوْمَعَةِ الْفِطْرَهْ
هَلْ تَسْتَشْعِرُ غُرْبَةَ رُوحِكَ
حِينَ يَكُونُ ضَمِيرُكَ فَرْدًا
يَدْحَضُ كَيْدَ الظُّلْمِ
الرَّاكِدِ زَيْفًا
فِي قَارِعَةِ اللَّيْلِ عَلَى الطُّرُقَاتِ
وَيَفْقَأُ عَيْنَهْ
انْفُضْ رُوحَكَ مِنْ وَحْشَتِهَا
مِنْ وَحْدَتِهَا
وَاتْرُكْ جَسَدَ الْغُرْبَةِ عَارٍ
وَاخْلَعْ كُلَّ رِدَاءِ الْجَفْوَهْ
وَازِنْ بَيْنَ مَرَايَا الْمَاضِي
كَسِّرْ حِصْنَهْ
دَاهِمْ وَكْرَهْ
وَانْبُشْ كُلَّ رُفَاتِ الذِّكْرَى
وَاحْجُبْ ظِلَّ أَوَارِ الْحُزْنِ
رِيَاحِ الذُّلِّ
الْعَارِ
الْوَهْمِ
ضَلَالِ التِّيهِ
وَجَعِ الْغُرْبَةِ
سِجْنِ الْعَتْمَهْ
أَنْتَ لَدَيْكَ الْآنَ مِيرَاثٌ
أَلْقِ عَصَاكَ
سَتَلْقَفُ خَوْفَكَ مِنْ مَجْهُولٍ
قَابِعَ فِيكَ وَيَسْكُبُ وَهْمًا
يَزْرَعُ زَيْفًا أُسْطُورِيًّا
يَهْرَعُ وَجْدُ الصَّمْتِ وَيَخْشَعُ
يَجْثُو وَجِلًا
هَلْ تَحْتَاجُ الصَّوْتَ نَبِيًّا
مِنْ أَسْلَافِكَ خُذْ لَكَ عِبْرَهْ
إنَّ نَبِيَّكَ (إِبْرَاهِيمَ)
خَلِيلَ اللَّهِ عَاشَ غَرِيبًا
كَانَ يُصَارِعُ فِكْرَ الْوَثَنِ الْغَاشِمِ جَوْسًا
فَوْقَ عُقُولٍ تَاهَتْ وَعْيًا
تَشْرَبُ كُلَّ كُؤُوسِ الْغَيِّ
وَتَسْكَرُ غَفْلَهْ
"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ" رَجَاءً
جُرْعَةَ وَعْيٍ
عِظَةً كُبْرَى
ظَلَّ خَلِيلُ اللَّهِ وَحِيدًا
يَدْعُو مَنْ يَتَنَكَّرُ إفْكًا
فِي مِحْرَابِ الْغُرْبَةِ صَمْتًا
يَعْبُدُ رَبَّهُ
كَانَ نَبِيُّكَ فَرْدًا أُمَّهْ
مَنْ سَيُحَارِبُ صَوْتَ الْغَيْمِ
بِسَاحِ ظَلَامٍ يَشْطُرُ ظِلَّهْ؟!
يُظْهِرُ سِرَّهْ
حِينَ يَفُضُّ الْفَجْرُ بَكَارَةَ غَيْمٍ
يَفْقَعُ كُلَّ عُيُونِ اللَّيْلِ
بِبَحْرِ ظَلَامِكَ يَرْحَلُ كُرْهًا
يَكْسِرُ سُورَ الْعَتَمَةِ فِيكَ
وَيَكْشِفُ سِتْرَهْ
مَنْ سَيُقَاوِمُ جَيْشَ سَرَابٍ؟!!
هَامَ بِفَقْرٍ
جُوعٍ
ظَمَأٍ
مَرَضٍ
مَنْ سَيَفُكُّ طَلَاسِمَ ظُلْمٍ؟!!
رَامَ عُقُولَ الْقَوْمِ الْعُزَّلِ
هَذَا اللُّغْزُ مَنْ سَيَحُلَّهْ؟!
هَلْ سَيَمُوتُ الْوَجَعُ النَّاحِلُ
فِي أَشْلَائِك زَمَنًا
يَصْبَأُ صُدْفَهْ
حَاذِرْ أَنْ يَفْجَعَكَ الرَّعْدُ
وَقَاوِمْ بَرْقَهْ
هُزَّ الْمُزْنَ بِبَابِ سَمَاءِ
الْقَلْبِ ضِيَاءً
رَاوِدْ قَطْرَهْ
مَطَرٌ هَادِرٌ
يَغْسِلُ كُلَّ غُيُومِ ضَبَابِكَ
كُلَّ هُمُومِ سَرَابِ الزَّيْفِ الْكَاذِبِ
هَذَا الْقُطْرُ
سَيَرْأَبُ صَدْعَهْ
مَنْ يَكْفِيكَ الْآنَ بِمُؤْنَةِ قَلْبٍ
عَاشَ سِنِينَ الْعَتَمَةِ وَحْدَهْ؟!
يَدْفَعُ عُمْرًا
ثَمَنَ الْوَحْدَهْ
***
رَتِّلْ فِي مِحْرَابِ سِنِينِكَ
وِرْدَ الرُّوحِ
بِضَوْءِ صَلَاةٍ
وَاقْرَأْ دَوْمًا فِي أَسْحَارِكَ
سِفْرَ الْغُرْبَهْ
ســــــيد فـــــاروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق