اخر الاخبار


الجمعة، 19 يونيو 2020

إضاءة نقدية على قصة "حديث المرايا " لدكتور طه سيف- بقلم الدكتورسيد فاروق







ثورة الضمير في حديث المرايا

إضاءة نقدية على قصة "حديث المرايا " لدكتور طه سيف / بقلم سيد فاروق


تتمتع القصة القصيرة بعناصر فنية مهمة في بنية الخطاب السردي لها والتي تتشابك لتخرج في النهاية هذه التركيبة الإبداعية الإنسانية وفي الغالب يعمد الكاتب إلى التركيز على عنصر أو اثنين أو أكثر وإهمال باقي العناصر تبعًا لهدف الكاتب ، وما يريد إيصاله للقارئ ، وسوف أحاول إلقاء الضوء على أهم العناصر والتراكيب الفنية للقصة – حديث المرايا _، والتي تضفي مزيداً من الجمال على تكوينها وبناءها الفني .
العتبات النصية
تؤدي العتبات في النصوص الأدبية عدة وظائف من أهمها: " فهم خصوصية النص الأدبي وتحديد مقاصده الدلالية والتداولية، ودراسة العلاقة الموجودة بينها وبين العمل" (1)، وتنقل مركز التلقي " من النص إلى النص الموازي، وهو الأمر الذي عدته الدراسات النقدية الحديثة مفتاحًا مهمًا في دراسة النصوص المغلقة؛ حيث تجترح تلك العتبات نصًا صادمًا للمتلقي، له وميض التعريف بما يمكن أن تنطوي عليه مجاهل النص" (2)، وتقدم تصورًا أوليًا " يسعف النظرية النقدية في التحليل وإرساء قواعد جديدة لدراسة الخطاب الروائي" (3)، أو الخطاب الإبداعي بشكل عام، هذا بالإضافة إلى وظيفتيها الجمالية والتداولية .
العنوان :
وبمطالعة خطاب العتبات لطه سيف نلمح ثمة علاقة مباشرة بالمضمون القصصي وبالعنوان " حديث المرايا " ، الذي يشي بأننا أما عدة مشاهد أو مواقف تعكس الوجوه المختلفة للمرآة أو لحياة الإنسان التي تشبه عدة لقطات سينمائية يراها تعرض في بعض المرايا من حين إلى آخر حيث يتماهى العنوان مع مضمون القصة في يعكس حياة الإنسان في محطات حياته المختلفة وتفاعله مع المجمع والبيئة من حوله، بل ويحيل الواجع بأثره إلى سنوات مرت ولكن بقيت تعكس بعض المرايا المؤلمة فجاءت اللوحة الفنية للعنوان معبرًا عن مضمون القصة تصويرًا لواقعها المعاش، وتضمينًا رمزيًا له في آنٍ معا .
لقد جاء عنوان قصة " حديث المرايا " مراوغا محفزا للمتلقي في أولى المواجهات مع النص لثير حافظته للاشتباك المباشر مع السرد ليقف على المعنى المراد لهذا العنوان وما أحدثه في نفسه من إشكاليات وتساؤلات حول ماهيته وكنهه ما هذا الشيء الغامض الذي يتحدث ثم يكتسي بالرمز في " المرايا " ويحتفي بالجمال في أبهى صوَّره.
تطالعنا أهم عناصر القصة القصيرة في مستهل البناء السري لقصة – حديث المرايا - ومنها :
الحدث .
الحبكة .
الشخصية .
البيئة وفيها ( الزمان والمكان) .
1- الحدث :
يدور الحدث في – حديث المرايا - حول الماضي وهو يعد من أهم الدوافع لاقناص الدفقات الشعورية لدى الذات الكاتبة والمحرك الدينامي نحو تحفيز الذات على السرد والقص.
2- الحبكة
تتكون الحبكة من أحداث، وشخصيات، وفضاء. وقد جاءت الحبكة السردية، لقصة – لحديث المرايا - مناسبة دون اهمال السرد القصصي أو النزعة الحكائية؛ مما ساعد على بناء القصة القصيرة بناءً فنيًا مناسبًا .
3- الشخصية :
تعتبر قصة – حديث المرايا لدكتور طه سيف - من قصص السير ذاتية أو ربما نحن جميعا أبطالها فقد تأثر الكاتب بأحداث معينة مرة به فعمل على استحضار الذاكرة لتذكر مشاهد من الماضي بل كانت ثورة ضمير على ما مرَّ من أحداث تجاه شخصيات كان للبطل مواقف سلبية معهم أو ربما أساء إليهم مما جعله يشعر بالذنب تجاههم حتى وهو في حالة اللا وعي .
4- البيئة وفيها ( الزمان والمكان ) :
وقد توفر في البناء السردي للقصة عنصري الزمان محطات من العمر وأوقات مرت بالبطل زمن الطفولة والدراسة والصبا والشباب وقت الصباح وغير ذالك من إحداثيات الزمان المختلفة في قصة – حديث المرايا - والمكان المنزل والسيارة ووسائل المواصلات والشارع والمسجد هناك صراح وحركة دائمة في إحدائيات الزمكان في قصة حديث المرايا جعلت أحداث القصة في دينامية دائمة متنامية التصعيد تتماهى مع الصراع والثورة العارمة في نفس الذات الكاتبة .

(2) ملامح تقنية في قصة – حديث المرايا - من أهم الملامح الفنية في قصة – حديث المرايا – هو أسلوب الفلاش باك وهو طريقة لعرض الأحداث التي حدثت قبل الإجراء الحالي. حيث تعد اللقطات الفلاشية تقنية أدبية شهيرة يستخدمها الكتّاب عند بدء القصة في وسائط الإعلام (في منتصف الأشياء) ، لإضافة الدراما أو التشويق ، أو لملء القارئ بالمعلومات المهمة. يتم تنفيذ الفلاش باك من خلال ارتكاز الكاتب على بعض المرايا ليسترجع من خلالها أحداث مضت على فترة من الزمن .: وقد عمد – طه سيف – إلى استخدام تقنية الفلاش باك بتصوير فني للمشهد غاية في الروعة حيث جسدت النقلة من المشهد الحالي للمطر بسلاسة وعمق إلى سنوات مضت وعفوية الطفولة الحالمة فكانت النقلة نوعية عن طريق النظر في المرآة على المشهد الحالي ليبدأ الحديث عن الأيام الخالية حيث قال: " فقد بدأت مأساته ذات صباح عندما كان يحلق ذقنه كالمعتاد ففوجئ بأن المرآة تعرض ما يشبه فيلماً قصيراً متقطع اللقطات. لقطة له، فى الصف الرابع الابتدائى، وهو يدس قلمه الحبر فى شنطة زميله ورفيق مقعده قبل أن يشكو ويصرخ ثم ينتهى الأمر باكتشاف السرقة وعلقة ساخنة لصاحبه. ثم لقطة كاشفة وهو يغش فى امتحان الثانوية بطريقة عبقرية". ثم يعود فلاش أب للمشهد الحالي عن طريق الخروج من حالة اللا وعي إلى حالة الوعي " ولم يتحمل اللقطة الثالثة ففر مذعوراً خارج الحمام وسارع بارتداء بعض ملابسه وقفز السلالم هارباً إلى عمله" ليعود بنا إلى مشهد أخر من مشاهد حياته ومراياها المختلفة باستخدام الفلاش باك ارتكازا على مرايا السيارة العاكسة للزمن " وفى السيارة كان له قصة أخرى، فبكل غرابة لم تعكس المرآة، كشأن المرايا، صورة السيارات الخلفية. وإنما عرضت فيلماً ملوناً لخياناته الزوجية المتكررة " وهو مشهد رئيسي وبطل هذه القصة حيث كانت ثورة النفس البشرية على الخيانة بشكل عام رغم أن الكاتب يستحضر مشاهده وهو في حالة لا وعي إلا أن صوت الضمير فيها يتصاعد ويثور على كل ما هو لا إنساني الأمر الذي جعله في النهاية يرى كل ما حوله مرايا تعكس ما ترفضه الذات الكاتبة وتثور عليه وتستحضره هي وقفة مع النفس ومحاسبتها وصراع بين الضمير الإنساني الذي يلوم ويقف مع النفس وقفة المعترض الرافض لكل ما هو مشين من أفعالنا نحن البشر . ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

1- عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص البنية والدلال، شركة الرابطة، ط1، 1996م، ص 7 .

2 - معجب العدواني : تشكيل المكان وظلال العتبات، النادي الأدبي الثقافي ، جدة ، المملكة العربية السعودية، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص 7.

3- شعيب حليفي: النص الموازي للرواية، إستراتيجية العنوان ، مجلة الكرمل، عدد (46) ،1992م، ص 82.
***********
وتعليقا على التحليل العلمي الكبير للاستاذ الكبير سيد فاروق أسال استاذنا الكبير: هل كان الكاتب محايدا في عرض النفس البشرية بكل ما فيها من شر وخير ام ان به مسحة اخلاقية في العرض؟ لو كان به مسحة اخلاقية فانا اراها هنة ونقطة ضعف ولذلك اسأل

فكان ردى **

الحياد هنا أستاذنا أراه في الصراع بين الخير والشر معادلة صنعها الكاتب اي بمعنى اخر الكاتب لم يتذكر إلا الأحداث المشينة التي مرت به هذا جانب سلبي قد يراه البعض ولكنه إيجابي في ذات الوقت ربما كان الخير بداخله هو الذي دفع الكاتب لتذكر هذا الآفات ليثور عليها هذه الثورة هي الجانب المشرق الذي يضع الكاتب نفسه فيها أمام محاكمة الضمير الرافض فكلانا بشر نخطأ ونصيب ، فعلى من يخطأ أن يحاسب نفسه إن كان به شيء من خير تلك هي الحكمة التي استخلصها من قصة حديث المرايا


الدكتور سيد فارووق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق