فارس الانكسار
قصة قصيرة.. محمد عبد النعيم ..
وذات نهار ، كان وهج الشمس فيه حارقاً ، يصب حمماً على الميدان الفسيح ، والناس متجمهرة حول فارس ممتطياً ظهر جواده ، مرتديا، خوذته وبدلته العسكرية المرصعة بكل نياشين الأبطال الفاتحين ، وقابضاً على سيفه ، مشيراً به نحو الغرب في تحدي صارم، عيناه تنبئان بصرامته وعزمه وإصراره وتحديه ، وعيون شتي في الميدان معلقة به وشاخصة وندية بالأمل في هذا الفارس المغوار والفاتح المأمول ، والمحرر المنتظر وحناجرهم تقرع الصمت كألآت نحاسية تردد بقوة وحماس :
- واقدساه .. واقدساه.. واقدساه..
ومرة يرددون :
- واحريتاه .. واحريتاه ..واحريتاه
ومرة يرددون :
- واإسلاماه . واإسلاماه .
واإسلاماه
ومرة يرددون :
- واعدالتاه .. واعدالتاه ..واعدالتاه
ومرة يرددون :
- واخبزاه .. واخبزاه .. واخبزاه
وتلجمهم المفاجأة وتخرس ألسنتهم وتكتم حناجرهم، وذلك عندما يشتد وهج الشمس وتتكاثف حممه الساقطة فوق رؤوسهم ورأس الفارس المغوار بينهم ويرونه وسيفه المشرع وجواده المتوثب يذوب في هذا الأتون المستعر كما يذوب النحاس ويذوبون معه ، ثم يشتعل الميدان بمن فيه ثم يتفحم ويجرالصمت بعدها الألسنة وتنكسر النظرات ، وتغوص الأقدام في الحمم ، ويفرد الليل فوقهم أكفانه ويذوب كل شئ ويتلاشى ، وكأنه لم يكن في الميدان لا فارس ولا سيف ولاجواد ولا ناس تردد منذ قليل :
- واقدساه ..
- واحريتاه..
- واعدالتاه...
- واإسلاماه ..
- واخبزاه ..
وصار الميدان مقبرة الفارس ومن حوله ، وأصبح الصباح على الميدان خالياً و فسيحا ومخضراً ورائقاً كما كان ، وكأنه لم يكن فيه ليلة أمس لا ناس ولا فارس ولا سيف ولا جواد ولا صخب ولا هتافات ولا نداءات ولا مطالبات والثعلب من بينهم بمكر ودهاء قد فات بلفاته السبعة فات ...
تمت ..
محمد عبد النعيم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق