اخر الاخبار


الثلاثاء، 7 يوليو 2020

الدجالُ .. في القرآنِ الكريمِ ، تكملة 3 -الكاتب ياسر شلبى محمود

الدجالُ .. في القرآنِ الكريمِ ، تكملة 3


وعودٌ على بدءٍ ، فإنَّا في هذا المقالِ ، سوفَ ندخلُ بكم فنتازيا التعمُقِ في تحديدِ شخصيةَ الدجالِ ، أو بالأحرى ـ بناءً على ما سبقَ ـ تحديدِ شخصيةَ ( السامري ) الذي خلُصنا أنه هو عينَهُ الدجالَ الذي تنتظرُهُ أمتُنا ! .. بينما نرى عملُه فيها منذُ مهدها . ونحنُ إذ نقولُ فنتازيا فإن ذلك مبعثُهُ الفرضُ الجدلي لا الحقيقةَ العلميةَ في البحثِ ، ولم نرى فى ذلك غضاضةً ، حيثُ أن لفرضِنا الجدلي هذا أساسٌ ومصدرٌ مِنْ تراثٍ ، ألا وهى روايةُ عليٍ بنِ أبى طالبٍ ، التي استخدمها المفسرونَ في تفسيرِ الآيةِ 29 من سورةِ فصلت ، ولمَّا كانتْ تلكَ الروايةُ لم تذهب صراحةً إلى ما نستخلصُهُ نحنُ منها في هذا المقالِ ـ ظناً وليس يقينا ـ جاءتْ تسميتُنا " فنتازيا " على عمليةِ البحثِ هذهِ ، لتعكس أن ما نقولُه فيهِ إنما هو من نافلةِ القولِ ، ومن نوافلِ المعارفِ أيضا ، لأن العلمَ بهِ قد لا ينفعُ كثيرًا كما أن الجهلَ بهِ لا يضُر ، ولكن لا غضاضةَ من ذلك النوعِ مِنَ المعارفِ ، ولا بأسَ بهِ لأنه يُعدُ من قبيل نُزهةَ العقلِ في بحرِ التأمُلِ والتفكرِ .
فا لسامريُ الذي هو الدجالُ ـ وفقَ ما قدَّمنا آنفاً ـ ليس بالتأكيدِ يهودياً ولا هو من بني إسرائيلَ ، ولا هو محدودَ العمرِ كتحديدِ أعمارِنا ، وإنما عمرهُ محدودٌ بتحديدِ حياةَ البشرِ أو يكاد .. فمن يكون ذلك الرجلِ بالضبطِ ، وما هو اسمه ، وبخاصةٍ أن ( السامري ) كنيةً وليس اسماً وقد استعمله القرآنُ الكريمُ لشيوعِ إطلاقِهِ عليهِ في بني إسرائيلَ ، ولعلهُ راجعاً إلى كونِهِ دخلَ عليهم بصفتِهِ " فناناً " يأتي لهم بألاعيبٍ و أعاجيبٍ ليسامرهم بها حتى يألفوه .
يبدو أن خاطرا قد خطرَ لنا بشأنِ قولَ ( عليٍ ) ـ نريدُ أن نُدخلكم بهِ نُزهةً فكريةً سواءٌ كان حقاً أو غيرَحقٍ ـ عندما سُئِلَ عن مُضلِ الإنسِ في الآيةِ المُشارُ إليها عالياً ، فقال " هو ابنُ آدمَ الذي قتلَ أخيه " وكان يشيرُ إلى قابيلٍ الذي قتلَ أخيهِ هابيلَ .. ونحنُ إذ رفضنا ذلكَ القولَ ـ كما تقدم ـ باعتبارِ كونه قاتلاً سَنَّ للبشريةِ القتلَ ، إلَّا أننا نقبلُهُ مِنْ ناحيةٍ أخرى على أساسِ الفرضِ الجدلي مفادُهُ : أن شخصيةَ قابيلَ قد تحولتْ ـ كإبليسٍ ـ بعد جريمتِهِ باعتبارها الأولى من نوعها في عالمِ البشرِ ، إلى شخصيةِ شيطانٍ مُنظرًا إلى يومِ يُبعثون . وقد يكونُ " عليٌ " قد عَلِمَ كُنْهَهُ هذا دونما إفصاحٍ كاملٍ بهِ ، فظنَّ المفسرونَ خطأً منهم ، أن مُضِلَّ الإنسِ هو قابيلٌ بصفتِهِ قد سنَّ القتلَ في زمنِهِ فقط ثم جرى عليهِ الموتُ ، لا بصفتِهِ شيطانٍ مضلٍ في كلِ العصورِ وقد كان أُنْظرَ بعد أن تشيطنَ .. والدجالُ كشيطانٍ ، ليس بدٌ ـ وفقَ العدلِ الإلهى ـ قد تشيطنَ بعد ذنبٍ ـ كذنبِ إبليسِ ـ يستحقُ الطردَ عليهِ من رحمةِ اللهِ واللعنَ والعياذُ باللهِ ، مما يستوجبُ النَظَرَ فى ذنبِ قابيلَ وجريمتِهِ .
والفاحصُ النظرِ في جريمةِ قابيلَ وذنبِهِ ، لا يجدُهُ القتلُ ابتداءً ، كما لمْ يكنْ مُبتدأَ ذنبِ إبليسَ رفضَ السجودَ لآدمِ .. و إنما كان مبتدأُهُ عند كليهما ( الحقدَ والحسدَ والكِبْرَ ) الذَيْنِ تجَسَّدا في فعلٍ ماديٍ قوامُهُ رفضَ السجودَ عند إبليسَ ، و القتلَ عند قابيلَ ، مما يعكسُ معنى التمرُدَ على أمرِ اللهِ وقضائِهِ عند كليهما ، وقد كان أحرى بِهِما و أجدرُ أن يمتثلا لطاعةِ اللهِ وقضائِهِ في الفعلِ المادي ، ولو ظلَّتْ الحالةُ المعنويةُ في النفسِ مِنْ حِقْدٍ و حَسَدٍ وكِبْرٍ قائمةٌ .
بِيدَ أن قضاءَ اللهِ قد جرى عليهِما ليصيرا شيطانينِ فلمْ يتوبا ، ولم يقصَ علينا القرآنُ الكريمُ توبةً لقابيل غيرَ أنهُ ندِمَ على جهلِهِ بأمرِ الدفنِ فقط ، كما تَحسَّرَ على حالِهِ بأنْ أصبحَ مِنَ الخاسِرِينَ ، مما يعني اشتراكِهِ وإبليسَ في رعونةِ اليأسَ مِنْ رحمةِ اللهِ ، فكان ذلك دافعاً لإبليس ـ في ظني وحدسي ـ ليتلقفهُ بمشورتِهِ حتى يطلُبَ مِنَ اللهِ النَظْرَ ، ليصبحَ و إبليسَ شريكانِ سوءٍ وشيطنةٍ ، ومتعاونانِ في فتنةِ البشرِ ( الإنسان ) .
أقولُ قد يكونُ ( عليٌ ) رضي اللهُ عنه عَلِمَ ذلك فأخبرَ به سائلَهُ دون إفصاحٍ تامٍ ، فيكونُ قد عرف الحكمةَ منْ إخفاءِ أمرَ الدجالِ في القرآنِ الكريمِ واحترمهُ .. و إما أن تكون تلكَ الحقيقةُ ـ على فرض أنها حقيقةٌ ـ قد غابتْ عنه ، فتكونُ إجابتُهُ سائلَهُ مجردَ رأيٍ على حقيقةِ ظاهرِه الذي ورد به فيكونُ قد أخطأ ولا نرى عيبًا في أن يُخطئَ عليٌ .. أو أن تكونَ الروايةُ كاذبةٌ أصلا ولم يقُل ( عليٌ ) ما ورد عنه أنه قال ، وفي هذه الحالةِ الأخيرةِ لا يكونَ بحثنا هذا قائمٌ على شئٍ منْ تراثٍ ، وإنما على الحدسِ والظنِّ العلمي .
وعلى كلٍ فإنا نعتقدُ ، أن قصةَ قتلِ قابيلُ لأخيه هابيلَ لم تكن منقطعةُ الأثرَ على أحداثِها في زمنِها وحسبْ ، وإنما نراها ممتدةُ الأثرِ حتماً حتى يذكرها القرآنُ الكريمُ ، وبخاصةٍ أن ورودَها إنما جاء بأمرٍ من اللهِ تعالى لنبيهِ موسى عليه السلام ، أن يتلو تلكَ القصةَ على بني إسرائيلَ قومِهِ .. وفي اعتقادي ، أن الأمرَ قد وردَ لشرحِ حقيقةَ السامري الذي كان وراء التمرُدِ الدائمِ لبني إسرائيلَ ، بما فيه ذلك التمردَ الأخيرِ على فتحِ مدينةَ الجبارين ، لأنه ـ ليس شكٌ ـ قد ترك رجالاً له يعيثون الفسادَ فيهم ، ويزيدُ من دعمِ ذلكَ الظنَ عندي : أن اللهَ تعالى قد كتبَ على بني إسرائيلَ " أنَّ منْ قتلَ منهم نفسًا فكأنما قتلَ الناسَ جميعًا " ، هذا الحكمُ الذي جاءَ في القرآنِ الكريمِ عقبَ سردِ قصةَ قابيلَ وأخيهِ مباشرةً ، ذلك لأنهم اتبعوا هذا الشيطانَ القاتلُ .. مما قد يؤيدُ ظني أن السامري ـ الذي هو الدجالُ ـ ليس إلا قابيلُ الذي قتلَ أخيه .
بِيدَ أنني قد بدأتُ مقالي هذا على عقيدةِ أن البحثَ فيهِ أساسُهُ الفنتازيا الفكريةِ والمعرفيةِ ، إلا أن البحثَ انتهى بنا إلى واقعيةٍ ممكنةٍ ، نرفعُ بهِ وصفَ الفنتازيا عن هذا البحث ، لتبقى الفنتازيا بحقٍ ، هي فنتازيا الحربِ بين أمريكا وإيران، وهي فنتازيا التوسعِ لأردوغانِ فى المنطقةِ ، وهى فنتازيا الصراعَ برمتِهِ في منطقةِ الشرق الأوسط .. تلك الفنتازياتُ الضاحكةُ الباكيةُ هي في آنٍ ، إنْ هيَ إلَّا مِنْ صنعِ شيطانٍ خناسٍ يعملُ مِنْ مخبئِهِ ضدَّ الأمةِ ، سواءٌ أسميناهُ " الدجالَ " أو أسميناهُ " السامري " ، أو إن شئنا اعتبرناهُ " قابيلَ " أم لمْ نعتبرُه .. فتلكَ الدراسةِ التي حاولنا فيها تحديدَ شخصيةَ العدو الخفي للأمةِ .. إنْ هيَ إلَّا مَعْبَرًا ننتقلُ بهِ إلى كيفيةِ عملِهِ ، ولكن بعد فاصلٍ قصيرٍ مقالًا مهمًا هو للغايةٍ فارتقبوه و لا تنتظروا عرضَهُ عليكم ، ولكن ابحثوا أنتم عنه مشكورين .
ياسر شلبي محمود

كاتب و مفكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق