اخر الاخبار


الجمعة، 19 يونيو 2020

هي والسراب - الشاعر محمود فهمى -مسابقة نبرات المداد للقصة القصيرة



هي والسراب


وعلى غير عادتها. هي لم تبطئ فى الرد، وتركت ردا موجزا كعادتها. أن تكون شحيحة في ردودها. على ذلك الغريب الذي يدق بابها ويلتقط المعاني من بين براثن ردودها...لم تكن تدري ٱن الرد الموجز سوف يتبعه أحاديث وأحاديث مطولة...وكان هو يطرق بابها بحذر كأنه باب زجاجى يخاف أن يتهشم قبل أن يلقي عليها التحية.
سمعت هي دقات الباب كأنها دقات مطر متقطع يحنو على بابها.فتحت بابها وهي متوجسة من ذلك الغريب الذي تسلل إلى فكرها وعقلها قبل أن ترد عليه السلام...رأته كعصفور هارب من أعاصير ومطر وبرد الشتاء. يريد أن تمنحه هي الدفء .ترددت هي كثيرا من ذلك الغريب بوقت مجيئه بزمن ووقت لا يبدو جيدا بالنسبة لها ماذا عساها أن تفعل وهي بقرارة نفسها وكينونتها ٱلا تفعل...ولكن شيئا ما مختبئ بداخلها ظهر فجأة وتمالكت هي كل قواها الكامنة من خلاصة تجاربها في الحياة وعصارة فكرها أن تكتشف سبر أغوار ذلك الغريب. وما عساه أن يفعل وكأنها قبلت تحديا كامنا في عقلها أن تكتشف المجهول وتبحر علي شاطئه دون أن تغرق فى يمه فهي كعادتها عنيدة تهوى المغامرة والتحدى.أرمقته هي بنظرة خاطفة في عينيه اختصرت فيها كل مسافات زمن غابر يسكن أحداقه. لم تطل النظر هي ولكنها تباطأت بعض الشيء لترى تقاسيم وجهه فهو يبدو في مطالع الأربعين من عمره ولكنها استعادت بعقلها ذاكرة قد مضت وكان هذا الوجه حفر بعقلها الباطن منذ زمن وهي لا تكتشف ملامح وجه، بل إنها تستعيد رويدا رويدا ملامحه وكأنه غيمة تمر على وجه وتتلاشى.مع انها كانت ليلة من ليالي الشتاء الباردة والقاسية برودته شعرت هي بدفء غريب ينتشر بأوصالها كدفء موقدها التي تلازمه دوما لتستأنس بدفئه وتسامر وحدتها النفسية برغم عن كل الضجيج الذي يسكن أعماقها .و كان القمر فيها بكامل استدارته يرسل اشعته الفضية على نوافذ قلبها ويغرس سهامه برفق ويمضي.وكأنه يزيل غبار سنين مضت ويغزل بخيوط أشعته انسجة جديدة.لم تقف هي طويلا حيال تلك التطورات السريعة والمتلاحقة وتظاهرت انها لم تكترث كعادتها.ولكن ثمة اشياء تغيرت هزت أرجاء عرشها لملمت ما تبقى منها وردت عليه التحية.كانت تبدو هي في الثلاتين من عمرها إلا أن ضوء القمر مع بريق عيناها وشعرها الذهبي المتدلي على وجنتيها سرق من عمرها عشر سنوات.فبدت شابة يافعة في أوج جمالها .وكأن جمالها لا يقل روعة عن جمال تلك الليلة المفعمة بروائح الشتاء العطرة بل استعار الشتاء رائحتة منها كما ٱستعار القمر ضوءه من بريق عيناها.بينما هو كان غارقا في التفكير والاندهاش وكأنه انتقل عشرين عاما إلى الوراء بشروده في وجهها المتناثر عليه ضوء القمر واصحبت هي والحلم الذي كثيرا ما اتيا إليه في يقظتة وغفلتة يتصارعان بداخله. وكأنه كان آت من منفى بعيد حيث كان الزمان لا يعيره وقته ولا خارطة مكانه وإذ به يستنشق هواء وطنه ويتحسس مكانه كانت لحظة فارقة بحياته أن يرى حلمه واقعا بين يديه.اكتفي بالصمت الغارق في جوارحه والقاطن في شرايينه والقابع في سنواته.ولم يحرك سكونه سوى يد حانية تمتد الى يديه وشعر أنه الٱن يغرق في يم كثير هو حاول الإبحار إليه دون جدوي غير أن شعور الان بسعادة غامرة تجتاح كل أوصاله وتأكل كل سنين منفاه وياخذه الحنين عمدا يفتت كل بقايا الفراق يقتل كل الآهات الساكنة في الاعماق وكأنة الٱن بلحظة ميلاد جديدة تولد فيها كل الأمنيات .وتغادر فيها كل التعاسات العابثة على ضفاف حياتة حقا إنها مخاض جديد جعل من حلمه حقيقة ملموسة.أستحضر هو صورتها وهو مغمض العينين وكأنها لوحة أبدع فيها فنان وأعطى عصارة فكره وجل خبراته كأنها وجهاً سرياليا آت من زمن قديم به رائحة الطبيعة الخلابةوعبق التاريخ نائم علي جبينها يسرد ٱنهار حب وشلالات عشق تنجرف من عينيها وسلاسل من حرير هندي تنساب من جدائل شعرها وغابات خوخ تزين خديها .لا بل كانت غابات الخوخ تتزين بخديها.هي لم تبق كامنة كعادتها وصافحته بحرارة الاشياق.وارتمت بين أحضانه كأنها ترمي كتلة لهيب في ماء بارد وتطفي نار جسد أنهكه الفراق .ما زالت زخات المطر تتساقط علي أوراق شجرة التوت العتيقة الذي شهدت اول لقاء لهما قبل عقدين من تلك اللحظه.وتصدر أوراقها صوتا ينتبها هما إليه فينطلقان بنفس الوهلة فى صمت مسرعين إليها يعانقانها ..وتتشابك الأيدي من جديد ويعلنان التحدي وكأنها لحظةأنبعاث ميلاد جديد
...ولكن إحساس ما مرير يجول هو بخاطره الآن لماذا كان الرحيل ولما كان اللقاء وما بين الرحيل واللقاء تراهات احلام مضت وشجرة توت عاندت أن تبقى. برغم كل جبروت الطبيعة أن تقتلع جذورها وان ثستمر في تقديم ثمرها لكل بائس أو جائع يمر بها أو يحتمي تحت ظلالها الفسيح وتحتضنه من جفاء وتغيرات طبيعة حادة من لفحة حرارة شديدة الوطيس . لمَ الفراق سرق منا كل سنين العمر لما لم نقاوم .لما ظل هذا الحب لم يسع احلامنا. تساؤلات وتساؤلات وافكار مزدحمة. هل كنا اهون من شجر التوت ام أنها قاومت من أجل أن تشهد لقاؤنا من جديد ،!!!كانت لحظات قاسية جدا مرت بطيئة رغم عن سرعة أحداثها المتطردة والمتوالية وكأن تلك اللحظات اختزلت عصارات تلك السنون المنصرمة وما فيها من ألم وشوق وجفاء وعتاب، استسلمت هي لدموعها وكأنها تنفض غبار سنوات عجاف سكنت أرماق جسدها ارتتعت في فكرها واسلمت نفسها بطواعية وبذهن حاضر ونفس صافية وبأسارير هادئة لتلك اللحظات؛ وكأنها تعيد اكتشاف ذاتها. تخلت هي عن صلابتها وعنادها علي غير عاداتها
كانت تشعر وكأنها تائهة بصحراء مترامية الأطراف تنجذب الي السراب وكأنه فردوسها المفقود تتأمل اشيائها المبعثرة علي حبات رمل لاتنتهي .تراقب ضوضاء داخلها تصنع فوضى عارمة في بحار الصمت الموجعة
..مرت تلك اللاحظات وكأنها دهر عات آت من خلف الذكريات المتوالية والمتلاحقة وكأنها شريطا سينمائيا يدق ناقوس السنوات النائمة وبرفق هو يمسك معصم يدها ويتجها نحو شاطئ البحيرة التي تلوح لهم بشاطئها الذهبي عندما تنثر عليها الشمس بصيص أشعتها المختفية خلف غيوم تلك الليلة ..وكان الامل يولد من جديد بولادة متعثرة المشهد كان لا يقل روعة وجمالا عن جمال فستانها الفضي المرصع بالزمرد؛ كانت وظلت تحتفظ بغموضها حتي بلحظات هذا اللقاء لم تكن تعي إن ذلك الغموض كان سببا للابتعاد والفراق الذي اكل اجمل سنوات العمر بينهما وكأنها مازلت لا تعي إن المصارحة والمكاشفة تزيل أتربة وغبار الشك
.وكانت تلك الخيوط ما هي إلا لملامح ظل واقع تعيش فيه تبحر فيه ولكن البحر دائما هائج تتلاحق أمواجه بشدة عاتية كسرعة أحداث حياتها الكامنة في ذاتها فقط . كانت تبحث دائما عن مأوى لخزائن أسرارها الدفينة .وكانت تلقي باحلامها ومكنون سريرتها بذلك الصندوق الحديدي تباعا وهي توقن بأن أحدا ما لا يستطيع فك شفراته أو حتى الوصول إليه .تنامت علاقة لا تستطيع هي وصفها بينها وبين صندوقها أهو ارتياح أو هروب أم أمل أم صديق وفي لا يشي بأسرار ذاتها .استيقظت هي من غفلتهاعلي صوت رياح عاتية تعصف على جدار بابها رسمت على وجهها ابتسامة زائفة وعادت لتكمل ليلتها في براثن وحدتها




(تمت)

محمود فهمي
التعليقات

هناك تعليق واحد:

  1. بالتوفيق والنجاح الدائم بإذن الله تعالى... 🌷🌷❤️🌹

    ردحذف