اخر الاخبار


الخميس، 21 مايو 2020

المَقامةُ التَّحريضيَّةُ - الناقد والشاعر محمد حمدى الشعار

حَدَّثَنا عَلَمُ الدِّينِ الأشمُّ، وبَدرُ اللُّغةِ الأتمُّ، سِراجُ الآدابِ ومَبعثُ أنْوارِها، ومَجمَعُ الحِكَمِ ومَهبطُ أَسرارِها، نافِذُ القَريحةِ سَرِيعُ العَارِضَةِ، مُتَوقِّدُ الذِّهْنِ قَوِيُّ المَاحِضَةِ، ذُو الفِكْرِ النَّيِّرِ الحَصِيفِ، والرأيِ السَّديدِ المَنيفِ، والِدُنَا العالِمُ الأغَرُّ، شَريفُ العِرْقِ الكَريمُ الأَبَرُّ، مُحمَّدٌ بنُ حَمدِي الشّعارُ، رَبِيْبُ (قُــــوصَ) قَصَبُ الصَّعيدِ وبَيْضةُ الدِّيارِ - ونَحنُ مُتَحَلِّقونَ حَوْلَهُ، راجِيَنَ بَذَلَهُ ونَوْلَه، وَنَحنُ فِي سَاحةِ الجَامعِ الكَبيْرِ جُلُوسٌ، تَهْوِي مِنْ كلِّ وادٍ ونادٍ عَلينَا النُّفوسُ، وكَانَ وَقُورًا مُحتَشِمًا غيْرَ سَافِرٍ، حَسَنَ السَّمتِ تَهابُهُ الرجالُ فَـتُتْبِعُه النَّواظِرُ: بِحَديثٍ ألهَبَ الأنْفُسَ وَأشعلَ حَماسةَ الأرواحِ، هَبَّ علىٰ المَجلسِ هُبوبَ العَرْفِ في نَسيمِ الصّباحِ، بعدَ أنْ حَمِدَ ربَّهُ وأثْنَىٰ عَليْهِ، وَصَلَّىٰ علىٰ النَّبيِّ وعِتْرَتِه وتَوَسَّلَ بِهِ إلَيْهِ، قائلًا: إنَّ الحَياةَ قدْ آذَنَتْنا بالرَّحيلِ؛ وَلَـمْ يَبقَ منَ التّعمِيرِ فيْها إلّا قليلٌ مِنْ قليلٍ..! فإيّاكم ومَغضَبةَ اللَّٰهِ - تَعَالىٰ -؛ فالفائزُ مَنْ رَبَأَ عنْ ذا وتَعَالَىٰ، والخَاسِرُ المَأفُونُ المُتّخِذُ إلَــٰـهَهُ هَـواهُ، المُتَنَزِّلُ عِندَ رغبتِه لِـتَحقِيقِ مُبتَغَاهُ، وإنَّ العيْشَ لَـهُـوَ عَيشُ العِزّةِ والسِّيادةِ، ودُونَ ذا فَـذِلَّةٌ ومَهانةٌ وخُنُوعُ البَلادةِ، وإنَّ العِبادَ في كُلِّ وادٍ أغراهُمْ بِنا الضّعفُ، والإذعانُ لسُلطانِهم والإرجافُ والخَوفُ؛ وإنَّ المَنايا سِهامُهَا تَتَأرجحُ دُونَ الصُّدورِ، والعَيْشُ عَيشُ العَزمِ لا عيْشُ الفُتُورِ، وإنّهُ لَنْ يَنَالَ امرؤٌ مَنالًا يُحقِّقُ الآمالَ، ما لَمْ يَخُضِ الأهْـولَ ويركَبْ لَهَا المُحَالَ..! فالحَزمُ في الشَّدائدِ خَيرُ زادٍ، والعَزْمُ يُبلِّغُ الأماني ويُفضِي إلىٰ المُرادِ، هَـٰـذا وقد بلَّغتُ وأنتمُ عَلىٰ ذلكَ منَ الأَشهادِ .
ثمَّ انصرفَ عَنّا بعدما تَصرَّمَ مَقالُه، وشاهدةٌ علىٰ تبليغِهِ كَلمَاتُه وفِعالُه، وقد قامَ عَنْ كُرسِيِّهُ مأزومًا راجِيًا منَ اللَّٰهِ الفَرَجَ، والهمُّ بيِّنٌ في وجهِهِ والغَمُّ في صدرِهِ يعتلِجُ، ولَمَّا أنْ بلغَ البابَ سلّمَ وانصرف، ونهارُ جُمُعتِنا قاربَ أنْ ينتَصِفَ؛ فأقبلَ النّاسُ عليَّ مُجمعِينَ علىٰ سؤالي، عمّا ألمَّ بالشيخِ وبِي منْ حالِهِ وأحوالِي، فلم يتّسعْ المقامُ لجوابٍ - أيِّ جوابٍ -، حَتّىٰ أطمَئنَّ علىٰ أبِي فهرعتُ خلفَهُ إلىٰ البابِ، وإذا بهِ قد ناءَتْ مَطِيَّتُهُ عنَّي وَ ولَّىٰ، وخَلَّىٰ بينَنا وبَينَ ظُنونِنا وتَخَلَّىٰ، ولمَّا لم أجِد بُــدَّاً منَ العَودةِ عُدتُ إلىٰ المَجلسِ، فلم يحلُ لَنا فيْهِ المُجتَنىٰ ولمْ يَطِبْ لَـنَا بِه المَغْرسُ..!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق