دقائق مرت عليه كالدهر وهو مستلقي على ظهره شاخصًا ببصره نحو سقف تلك الغرفة الضيقة بنزل الشباب .
إعتدل في جلسته ليدخن سيجارته بنهم شديد وهو يراقب الدخان الصاعد للأعلى من ثم يتلاشى كما تلاشى كل شئ بحياته بغته وعلى حين غرة وفي غفلة منه ودون وعي .
عاد بذاكرته للوراء قليلًا حيث كانت حياته الرتيبة والمملة بل والكئيبة كما كان يصفها .
نعم هو يعلم انه ليس شخص نادر ولا إستثنائي وربما يشبه الكثييرين منا .
إنسان قد يكون بالقرب منك أخ لك او زميل بالعمل أو جار لك وربما تراه بوضوح تام إن نظرت بالمرآة حيث تقف أمامها .
تذكر كيف كان ينتقد كل شئ وأي شئ فهو بلا شك يستحق أفضل من زوجته والتي فشلت فشلًا ذريعًا بأن تفهمه أو تحافظ عليه حتى تحولت على هامش حياته .
أما عمله فهو لا يناسب قدراته بل ولا يليق بفكره المستنير وعقله المتقد لم لا وهو الأفضل بين زملائه بالعمل والأجدر بالقيادة من مديره .
حتى أبنائه هل حقًا يليقون به لا شك أنه كان يستحق ذرية أفضل لتحمل إسمه .
هو دومًا بالمكان الخطأ والزمان الخاطئ يشعر أنه لا ينتمي لهذا الزمان الردئ ولا المكان المتدكس بالغوغاء .
تذكر تأففه من الجميع وملله الذي لا ينتهي وشكايته التي لا تنتهي وأمنيته بالهروب من كل شئ .
الهروب من البيت والزوجة والأبناء والعمل والأصدقاء والجيران .
الهروب من إلتزاماته من ضجيج الشوارع من أداء واجباته الإنسانية .
أمنيته أن يعتزل كل شئ فقط ليبقى وحيدًا فقط الوحدة هى الدواء لكل ما يشعر به من إستياء .
لسعته سيجارته بإصبعيه ليدرك أنها وصلت للنهاية شأنها شأن كل شئ .
عاد ليستلقي على ظهره مرة أخرى ليعاود النظر لسقف الغرفة الذي حفظه عن ظهر قلب من ثم النظر للجدار .
لم يكن يقطع هذا الصمت الرهيب ورتابة اليوم سوى تلك الطرقات على الباب والتي تنبئه أنه موعد الطعام او تناول الدواء حتى أنه لم يكن يلمح صاحب أو صاحبة الطرقات لانهم كانوا يطرقون الأبواب من ثم يفرون من أمامها بخطوات سريعة كمن يفر من الموت أو يخشى الإصابة بداء الجرب .
هنا فقط سالت دموعه وتحررت لتحرق وجنتيه بعد أن أدرك وأيقن أن ما كان يمقته بشده وينتقده بإستمرار ليست سوى تلك الحياة بكل عنفوانها نعم إنها الحياة بكل تناقضاتها .
أيقن أن ما كان يود الهروب والفرار منه أصبح يشتاق له ويحن إليه .
أدرك هذا بعد يوم واحد من تلك العزلة الإجبارية بعد أن تأكدت إصابته بهذا الفيروس اللعين الذي سرق منه حياته أو ربما بشكل أو بأخر قد يعيدها إليه .
يوم واحد تعلم منه أنه كان وبكل قوة يهرب من الحياة نحو اللا حياة وربما نحو موت محقق .
أيقن أن المشكلة ليست بالحياة إنما بنظرته الهشة للحياة .
كم يتمنى لو يعود به الزمان ويعطيه فرصة أخرى ليصحح مسار حياته وأفكاره ويعطي لكل شئ حقه .
لم لا وها هو لم يمر عليه سوى يوم واحد بهذا الحجر الصحي بأحد نُزل الشباب ولكنه يوم كالدهر كان يوم كفيل بأن يعيده للصواب وليعطيه الدرس الأكبر في حياته بانه بالشكر والحمد لله تدوم النعم .
ترى كم إنسان بهذه اللحظات الفارقة وبهذا الكون الشاسع والمترامي الأطراف يعاني الأن مثلما يعاني هو ؟
ويظل السؤال الذي أصبح يلح برأسه كمطرقة تهوي على السندان في قسوة وضجيج لا ينتهي هل سيدركون يومًا ما وقبل فوات الآوان مثله أنها ليست سوى حياة هشة ؟
تمت..
حياة هشة
أيمن موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق